مصطفى زين


بعد احتلال العراق مباشرة، وفي أوج سيطرة المحافظين الجدد على البيت الأبيض، اتخذ حاكم العراق الأميركي بول بريمر قراراً بحل الجيش وأجهزة الأمن، وتفكيك كل الوزارات(عدا وزارة النفط)، تمهيداً لإقامة نظام ما بعد صدام حسين. عندها اعتبر كثيرون أن الولايات المتحدة ارتكبت خطأً فادحاً ، إذ كان بإمكان الجيش أن يوقع وثيقة استسلام ويمسك زمام الأمور بالتعاون مع القوات الغازية، ريثما تستقر الأوضاع وينبثق نظام جديد ليس على عداء مع واشنطن ولا مع إسرائيل (أحد أهم أهداف الإحتلال).

لكن المحللين كانوا مخطئين. بوش لم يرتكب حماقة. الدستور الذي وضعه بريمر أوضح هدفه. نص على تقسيم العراق إلى فيديراليات طائفية وعرقية لتثبيت الكيان الكردي في الشمال، وتحريض الآخرين على المطالبة بإنشاء كياناتهم الخاصة.

أكثر المتحمسين لإحتلال العراق كان السيناتور الديموقراطي جو بايدن(نائب الرئيس الآن) الذي لا يفوت فرصة إلا ويتباهى بصهيونيته.

هو الان في بغداد في رحلته الخامسة عشرة أو السادسة عشرة أو السابعة عشرة (لم يعد يتذكر). وقف وسط جنوده في أحد قصور صدام حسين، ليحتفل بعيد استقلال الولايات المتحدة ونجاحها في احتلال العراق. قال: laquo;ما أحبه جدا في هذا اليوم هو السخرية. نحن الان هنا في منزل ديكتاتور استعبد شعبا. (ديكتاتور) دافع عن كل شيء لا ندافع عنه ونحن في منتصف قصره الرخامي نكذِب كل ما دافع عنه. انا أجد ذلك ممتعاraquo;.

متعة بايدن الحقيقية ان مشروعه الذي قدمه إلى مجلس الشيوخ لتقسيم بلاد ما بين النهرين تحقق تحت عنوان الفيديريالية، نظراً إلى حساسية كلمة التقسيم في العالم العربي. وهو يكثر زياراته للإطمئنان إلى تقدم هذا المشروع.

ووصلت به السخرية إلى حد استغباء العراقيين. قال إن الولايات المتحدة لا تتدخل في شؤونهم، ودعاهم إلى عدم السماح للآخرين بذلك. أميركا لا تتدخل هي مجرد قوة احتلال. لا تريد للعشائر والأعراق والطوائف سوى الأمن والإستقرار. وكي يتحقق ذلك، عليهم أن يشكلوا حكومة تتمثل فيها laquo;أصوات الجماعات كافة، بشكل نسبيraquo;، على ما نصحهم ، وترك لهم الخيار بين تثبيت دستور بريمر وهاوية الحرب الأهلية. نصائحه (ضغوطه) خلال زيارته السابقة، قبل أشهر، أدت إلى إقرار قانون الإنتخابات، وليس مستبعداً ان تؤدي الآن إلى تشكيل حكومة. سعيه إلى تقريب وجهات النظر بين أطراف الطبقة السياسية العراقية المتصارعة سيكلل بالنجاح. هو مع تحالف المالكي وعلاوي، على ما أعلن قياديون في كتلة رئيس الوزراء السابق. لكنه في الوقت ذاته، لا يريد استبعاد الآخرين. للأكراد حصتهم وللشيعة حصتهم وللسنة أيضاً نسبة معينه في السلطة، بغض النظر عن نتائج الإنتخابات التي أثبتت توجه العراقيين إلى إلغاء المحاصصات الطائفية والعرقية. إلغاؤها يعني إضعاف قدرة واشنطن على التأثير في قرارات الحكومة.

يحق لبايدن السخرية. يحق له التمتع بما آلت إليه أحوال العراق. لكن الغريب أن يستمتع الزعماء العراقيون بسخريته ويشاركوه متعته، وسط مآسي أهلهم ودمار بلادهم.