عبدالحميد الانصاري

في الذكرى الثلاثين للثورة الإسلامية ألقى الرئيس الإيراني نجاد خطاباً لخص فيه جوهر المشكلة بين بلاده والولايات المتحدة في أن من يسيطر على الشرق الأوسط وثرواته، يسيطر على العالم، وأن إيران الطامحة لتصبح قوة عالمية لن تسمح للولايات المتحدة بأن تستقر سيطرتها في هذه المنطقة، وأمام حشد كبير في ساحة ldquo;آزاديrdquo; أي الحرية بطهران، أعلن الرئيس الإيراني وبكل فخر أن إيران أصبحت دولة نووية بإمكانها تخصيب اليورانيوم بنسبة 80% وأن قطارها النووي يسير بدون مكابح، من يتابع الموضع السياسي والاقتصادي بالداخل وكذلك الوضع الخارجي، يتشكك كثيراً في أن تحقق تلك السياسات طموحات الشعب الإيراني، إذ أنتجت أوضاعاً سلبية وجعلت إيران تحتل مرتبة متقدمة في ترتيب الدول القريبة من الفشل في قائمة 2009 للدول الفاشلة حيث احتلت المرتبة (38) طبقاً لما أورده عالم الاقتصاد الإيراني جاويد صالحي أصفهاني في مجلّة (foreign policy) اغسطس 2009، دعونا نكشف هذه الأوضاع:
أولاً: الوضع الاقتصادي: إيران تمتلك احتياطياً من النفط يمثل 12% من احتياطي العالم، وهي رابع دولة في انتاجه عالمياً، كما تمتلك احتياطياً من الغاز يقدر بنحو 27 مليون متر مكعب بخلاف الثروات الطبيعية الأخرى، إضافة إلى الثروة البشرية ذات الحيوية والطموح، لكن المواطن الإيراني مازال يتساءل بحسرة: لماذا لا أعيش متنعماً بثروات بلادي، ومازلنا نذكر أن واحداً من خلصاء النظام ويشغل وضيفة المستشار الأمني للمرشد الأعلى ldquo;حسن روحانيrdquo; خاطب نجاد بقوله: لماذا جيوب الناس خاوية وكرامتهم ضائعة؟! كما إن مستشاراً آخر ldquo;علي أكبر ناطق نوريrdquo; انتقد سياسة نجاد الاقتصادية، وقال: إنها لن تحقق خطط إيران لتصبح قوة عظمى بحلول 2025، وبالرغم من الشعار الذي أطلقه نجاد ldquo;توزيع الثروة بطريقة أكثر عدلاًrdquo; فإن الواقع يثبت أن الثروة تركزت في أيدي القلة من الصفوة الإيرانية الغنية التي تتباهى بثرائها، باعت شركة (بورشه) أكثر من 100 سيارة فارهة في اليوم الأول لافتتاح فرعها فقط! وبطبيعة الحال نحن لا ننكر جهود الحكومة الإيرانية لمعالجة التضخم وضعف الآداء الاقتصادي عبر كافة الوسائل والأدوات، ولكن كل هذه الإجراءات غير كافية لتحسين الوضع الاقتصادي، مازالت إيران مضطرة لدفع فاتورة ضخمة من أجل استيراد كميات كبيرة من البنزين وتوزيعه بنظام ldquo;التقنينrdquo; لأن مصافيها عاجزة عن تلبية احتياجاتها بسبب قدمها وإهمال تطويرها! هل يعقل في دولة بترولية تتباهى حكومتها بإطلاق الصواريخ والأقمار وتخصيب اليورانيوم وبناء المفاعل، عجزها عن تطوير مصافيها البترولية؟!
1. العقوبات الاقتصادية الموجعة والتي قد تمتد إلى المفاصل الرئيسية للاقتصاد الإيراني فتشلها.
2. سيطرة الحرس الثوري على المؤسسات والقطاعات الاقتصادية، وهؤلاء أهل ولاء وثقة وليسوا أهل خبرة وكفاءة، ما ينذر بعسكرة المجتمع وتردي الأوضاع الاقتصادية، وهو خطأ وقعت فيه الثورة المصرية حين مكنت ضباط الجيش من المؤسسات الاقتصادية.
3. الاستمرار في هدر الثروة على بناء وتكديس ترسانة حربية لن تجدي شيئاً بسبب التطور المستمر للصناعات العسكرية، وتبديد أموال الشعب في الخارج لشراء ولاءات وحركات وسياسات، يقدرها البعض بخمس مليارات دولار.
ثانياً: الوضع السياسي: الوضع السياسي خانق للحريات، والثورة التي قامت ضد دكتاتورية الشاه، أصبحت اليوم تقمع الحريات وتعتقل المواطنين وتمنع المظاهرات وتقطع كل خيوط التواصل بين الداخل والخارج، فتحجب ملايين المواقع الإلكترونية وتقطع التلفونات والإنترنت وتصادر الصحف وتشوّش على الفضائيات والإذاعات وتمارس أبشع أشكال الدكتاتورية باسم الدين، قال ldquo;موسويrdquo; رئيس الوزراء السابق: الدكتاتورية باسم الدين هي أسوأ الدكتاتوريات.
ثالثاً: الوضع الخارجي: كان من أجلى مظاهر فشل السياسة الخارجية أن الحليفين القويين الأساسيين لإيران، وقفا في صف العقوبات الجديدة، كما تأكد هذا الفشل في أن كل المراوغات والألاعيب والمماطلات لم تستطع في النهاية خرق الإجماع الدولي بفرض العقوبات، وحتى الطبخة الثلاثية التي أنجزتها السياسة الخارجية في آخر لحظة فسدت ولم تجدِ شيئاً! وبعد سريان العقوبات ستجد نفسها مضطرة للعودة لطاولة المفاوضات والمساومة على تجميد التخصيب، مؤقتاً، تجنباً لمزيد من الخسائر، روسيا الحليفة ألغت صفقة الصواريخ، و(توتال) الفرنسية العملاقة أوقفت بيع كافة المنتجات النفطية إلى إيران، والإمارات جمدت 41 رصيداً وأغلقت أكثر من 40 شركة محلية ودولية، وهذه هي البداية فقط، ومهما قيل إن العقوبات لن تطال الشعب، فالشعب هو الذي يدفع الثمن، فتجميد البنوك وإلغاء الشركات وتعويق الصناعات ومنع الملاحة، يعني أن المواطن يفقد عمله.