مجدي شندي
laquo;ما نريد أن نراه في النهاية هو شيء واحد، أريد الرئيس عباس أن يمسك يدي.. أن يصافحني.. أن يجلس ويتفاوض بشأن تسوية سلام نهائيةraquo;، هذه العبارات التي رددها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو خلال لقاء مع شبكة فقك الأميركية الأربعاء الماضي، تصلح للتدريس كنموذج لا يضاهى لفن الكذب السياسي، وبهذا النوع من الأكاذيب تتمكن إسرائيل وساستها من تزييف الوعي الغربي.
نتانياهو يعرف قواعد اللعبة الإعلامية، فاستدرار عطف المشاهد والظهور أمامه بمظهر المغلوب على أمره كثيراً ما يجعله يصدق الأكاذيب، ولا يتعب نفسه كثيراً في استجلاء الحقيقة.
الرئيس الفلسطيني عباس يجلس مغلوباً على أمره في المقاطعة منتظراً عطفاً دولياً، بعد أن بدد كل الأوراق وتمترس وراء ورقة التفاوض، ومع ذلك، فإن من لا يعرف ويسمع كلام نتانياهو، يتصور أن عباس شخص يتمتع بالصلف ويضع يده على زر نووي مهدداً بإفناء إسرائيل، وأنه لا يريد التفاوض، بينما الحقيقة أنه يلهث ومعه القادة العرب لتحقيق أي إنجاز في أي ملف تفاوضي دون جدوى.
الساسة العرب يكذبون أيضاً فهم ليسوا براء من ذلك، لكن أكاذيبهم مفضوحة لأنهم غير مدربين، وغالباً ما يستأسد عليهم المذيعون الذين يجرون المقابلات، فيخرجون من اللقاءات مع التلفزيونات الغربية وقد بلل العرق نواصيهم، وبالطبع فإن ذلك مستحيل الحدوث مع السياسيين الإسرائيليين بسبب قوة اللوبيات الصهيونية في الغرب.
ورغم أن الغرب يعوم فوق بحيرة من الأكاذيب إلا أنه يرمينا بدائه، مع أننا كذابون هواة وهو كاذب محترف، وجميعنا يذكر كيف مارس الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون الكذب المثير على القاضي المكلف بمحاكمته في قضية مونيكا لوينسكي، وكان أمامه كالزئبق لا تستطيع إحكام قبضتك على أقواله، فهو يكذب ولا يكذب، يسأله القاضي laquo;هل ارتكبت الزنى؟؟raquo; فيجيب laquo;إن ذلك يعتمد على مفاهيمنا للزنىraquo;.
كذب منطقي للهروب من الحرج، إذ إن الكذب الصريح كان سيقوده إلى محاكمة أخرى بتهمة الكذب تحت القسم، لذلك فإن الكتاب باتوا يصفون الإجابات التي يتهرب فيها المسؤول من جوهر الأسئلة الموجهة إليه بأنها laquo;إجابات كلينتونيةraquo;.
تربح إسرائيل بأكاذيب سياسييها التي لا تنفد ونخسر نحن بالحقائق التي نمتلكها، لأننا لا نجيد التعبير عنها، فالكذبة المثيرة قد تتغلب على الحقيقة المملة، كما يقول الكاتب الإنجليزي الشهير ألدوس هكسلي (1894 ؟ 1963).
في عام 2006 وقع عدد من أشهر كتاب العالم بعضهم حاز جائزة نوبل، ومنهم البريطاني هارولد بينتر والهندي اميتاب جوش والتركي اورهان باموق والأميركيان بول اوستر وروسيل بانكس والألمانيان بيتر شنايدر ويولا هان، على دعوة لإعلان يوم 20 مارس من كل عام يوماً عالمياً للأكاذيب السياسية.
وذلك بمناسبة مرور ثلاث سنوات على غزو العراق، كان ذلك بمثابة حذاء في وجه الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش سبق حذاء منتظر الزيدي بعامين ونيف، فسلسلة الأكاذيب التي اعتمدت عليها الإدارة الأميركية كذرائع لغزو العراق لم تثبت صحة أي منها، فلا أسلحة دمار شامل ولا حتى تقليدية من قبيل أكذوبة المدفع العملاق، ولا ارتباط بين النظام البعثي والقاعدة، ولا أي شيء، ولأن لكل فعل رد فعل كانت أكاذيب الصحّاف، لكن شتان بين الهواة والمحترفين كما أسلفت.
وربما تفاءل كثير من العرب خيراً، حين أكد الرئيس التنفيذي لشركة laquo;غوغلraquo; العالمية اريك شميت، في ديسمبر 2006 عن قرب التوصل إلى تقنية تتيح كشف كذب السياسيين عبر تسجيل تصريحاتهم في سجلات لعدة سنوات، بحيث يمكن اختبار مدى صدق أقوالهم.
الساسة العرب يحتاجون إلى دورات في فن الكذب، ليس فقط ليكونوا مقنعين للغرب كما هو حال نتانياهو، وإنما أيضاً ليفلتوا من فخ الفضائح التي تنتظرهم إذا ما نفذت laquo;غوغلraquo; وعدها.













التعليقات