الياس حرفوش


تُوقع الأوهام عادة في قراءات خاطئة وتؤدي الى استنتاجات لا صلة لها بالواقع. من تلك الأوهام قراءة بعض اللبنانيين (ومنهم مسؤولون مع الأسف)، لوظيفة القوات الدولية العاملة في الجنوب (يونيفيل) كما نصّ عليها القرار 1701 والتي تبيّن بعد المناوشات الاخيرة بين هذه القوات وraquo;الاهاليraquo; في الجنوب انها كانت قراءة مغلوطة لعمل هذه القوات. اذ كانت تعتبر ان laquo;اليونيفيلraquo; مضطرة للتنسيق مع الجيش اللبناني في عملها وفي التحركات التي تقوم بها على أرض عملياتها. لكن ما تبيّن بعد التعديات على القوات الدولية ان الحكومة اللبنانية اضطرت، تحت ضغط المواقف الدولية المستنكِرة، الى اصدار بيان يؤكد الحرص على سلامة القوات الدولية ويشدد على الدور الذي تضطلع به بحسب نص القرار 1701. واستعجلت الحكومة اللبنانية ارسال نص موقفها هذا الى السفير نواف سلام، مندوبها في مجلس الامن، الذي كان يناقش الوضع في الجنوب، وأصدر بياناً باجماع اعضائه، (ولبنان بينهم)، يدعو جميع الاطراف الى laquo;السهر على احترام حرية تحرك اليونيفيل بموجب التفويض المعطى لها وقواعد الاشتباك في الجنوبraquo;. ولمن شاء ان لا يقرأ نص القرار 1701 او ان يفهمه على طريقته، اوضح السفير الفرنسي في الامم المتحدة جيرار أرو ان هامش تحرك القوة الدولية في الجنوب ينبغي ان يكون كاملاً، كما ان التنسيق مع الجيش اللبناني أمر مستحب لكنه ليس الزامياً.

من الأوهام التي سادت في لبنان ايضاً بعد العدوان الاسرائيلي في صيف 2006 أن لبنان خرج laquo;منتصراًraquo; نتيجة تلك الحرب. وهمٌ لا تفسير له على ارض الواقع، لا على مستوى الخسائر البشرية والمادية التي لحقت بالبلد، ولا على مستوى ترتيبات الوضع الامني جنوب نهر الليطاني، وهو ما نحن بصدده هنا. لقد سعت الحكومة اللبنانية آنذاك، بكل ما تملك من امكانات ديبلوماسية، الى وقف العدوان الاسرائيلي، عن طريق تعزيز عدد القوات الدولية الى 13 الف جندي، اضافة الى زيادة وحدات الجيش اللبناني وادخالها الى تلك المنطقة بعد عقود من غيابها عنها. ووافقت الحكومة ايضاً على ضرورة اخلاء منطقة عمل الجيش اللبناني والقوات الدولية من أي وجود مسلح آخر، سواء كان افراداً او ذخائر. وقد حظي ذلك في حينه بموافقة كل القوى بما فيها laquo;حزب اللهraquo;، وهو ما سمح لمجلس الامن بالتصويت على زيادة عدد القوات الدولية وارسالها الى المنطقة الحدودية. بكلام آخر، كان التطبيق العملي على الارض لوهم laquo;الانتصارraquo; الذي ساد في لبنان خلال السنوات الاربع الماضية، هو ابعاد القوى التي كانت تقاتل اسرائيل عن حدودها، فيما بقيت القوات الاسرائيلية في مواقعها على الحدود، واقامة منطقة عازلة شمال الحدود الاسرائيلية تمتد الى عمق 40 كيلومتراً، هي المنطقة التي اعتبر الاسرائيليون انها تشكل خطراً على امن مستوطناتهم. هذه المنطقة هي التي بات الجيش اللبناني والقوات الدولية مكلّفين بضمان خلوها من السلاح، بموجب نص القرار 1701. هذا ما حصل في الواقع، لكن ما تبع بيعه لـ laquo;الاهاليraquo; ان القوات الدولية جاءت الى الجنوب لمنع العدوان الاسرائيلي، وهو صحيح لكنه نصف المهمة فقط، اذ ان النصف الآخر هو منع استخدام منطقة عمل هذه القوات ساحة لإشعال حرب جديدة.

لولا القراءات الخاطئة والأوهام السائدة، ولولا التسابق الاعلامي على عرض العضلات الوطنية لما اضطر لبنان الرسمي والامني (اي الحكومة وقيادة الجيش) الى التراجع 360 درجة خلال سبعة ايام. لا يعزز هذا من صدقية بلد عضو حالياً في مجلس الامن ولا يرفع من كرامته بين الدول. مسؤول كبير في الدولة خرج يقول مباشرة بعد حوادث الجنوب انه حتى لو قام الجيش نفسه بما قامت به القوات الدولية لواجهه laquo;الاهاليraquo; بالاحتجاجات! هذا مسؤول يتحدث عن جيش بلده! أما قائد الجيش العماد جان قهوجي فقد نقلت عنه الزميلة صحيفة laquo;النهارraquo; اتهام القوات الدولية بأنها كانت تحمل لوائح اسرائيلية باسماء اصحاب منازل في الجنوب للبحث فيها عن اسلحة مخبأة، متجاهلاً أن تصريحات كهذه لا تساعد على تعزيز الثقة المطلوبة بالقوات الدولية، ومتجاهلاً ايضاً ان مهمة هذه القوات تقضي عدم السماح بوجود أي سلاح غير السلاح الشرعي في تلك المنطقة، وانها يمكن ان تحصل على شكاوى مماثلة من الجانب اللبناني حول خرق اسرائيل للقرار 1701 ومن واجبها اجراء التحقيقات بشأنها. لكن قائد الجيش نفسه عاد بعد انتقال القضية الى مجلس الامن ليقول ان laquo;اشعال الحوادث في الجنوب كان خطأraquo; وليعترف بالنتائج السلبية لذلك على لبنان.