زيد علي الفضيل

المتأمل للساحة الدينية في مشهدنا المحلي خلال هذه الفترة سيدرك حجم المخاض الفكري الكبير الذي تعيشه الساحة بالشكل الذي لم يحدث مثيله من قبل ، فبعد أن كان المشهد مغلقا على رأي واحد لا يقبل النقض إلا في حدود ضيقة ، وضمن أجواء مغلقة ، نتيجة لإغلاق باب الحوار والنقاش العلمي ، أصبحنا اليوم نرى ونسمع العديد من الآراء الفقهية المتنوعة ، التي تستند في مدلولها على كثير من الحجج والبراهين والأدلة المستمدة من القرآن الكريم والسنة المطهرة والاجتهادات المتنوعة لعلماء السلف بوجه عام ، وكان من جراء ذلك بروز العديد من الفتاوى التجديدية الصادمة لفصيل من العلماء وبعض أفراد المجتمع ، بالشكل الذي أدى إلى بروز عديد من الألفاظ الحادة والدعوات المتشنجة إزاء أصحاب تلك الآراء التجديدية من قبل معارضيهم ، كالدعوة إلى الحجر عليهم مثلا ، والسؤال الذي نحتاج إلى التفكر فيه مليا هو : لماذا كل هذه الحدة والتشنج في القول والفعل إزاء رأي فقهي مستند إلى دليل ديني ، وفي مسائل متنوعة تندرج في باب المسائل الاجتهادية المختلف فيها منذ أزمان سابقة ، وتدخل في حكم القاعدة الأصولية الرئيسة التي تنص على عدم الإنكار في مسائل الاجتهاد ؟. في تصوري أن الأمر أكبر من موضوع فقهي يمكن أن نتفق حوله أو نختلف معه ، إذ لو كان الأمر مقتصرا على ذلك ، لما عشنا هذه الحدة في الرأي والقنوط بالقول الآخر ، ليس في المرحلة الآنية وحسب ، وإنما في مختلف المراحل السالفة ، ولكان التعامل مع كثير من الآراء الفقهية والاجتهادات العلمية بشيء من المنهجية التي قررها علماء الأصول في مدوناتهم . إنها إشكالية ذهنية قبل أن تكون فقهية ، شكَّل ملامحها أطر بيئية وقواعد اجتماعية وشعور مبالغ فيه بالخوف والخشية ، أفرزت لنا تلك الحالة من الريبة والشك التي وضح تأثيرها في استخدام باب سد الذرائع بشكل مبالغ فيه ، حتى فرض على بعض فقهائنا المعاصرين التحذير من مخاطر التوسع في ذلك في عديد من أحاديثهم الدينية المتنوعة . من هذه الزاوية يمكنني تفهم بعض الردود الحادة التي صدرت عن عدد من مشائخنا الكرام حيث يتضح لنا مدى تأثير البعد البيئي والقواعد الاجتماعية الخاصة في مثل هذه الردود ، والجديد في الأمر أن هذه النظرة الخاصة كانت إلى مرحلة زمنية سابقة تمثل إلزاما يجب الأخذ به ، وهو ما عانى منه أطياف المجتمع سابقا ، وجاء المخاض الفكري ليخلصنا منه حاليا . بقى التذكير في هذه الحالة بقول الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه : ليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأدركه