عبد الرحمن الراشد

إلى الآن الغموض سيد الموقف، فر أم خطف، عالم نووي أم مجرد باحث بسيط؟

إن كان الإيراني شهرام أميري خديعة بالفعل، فهي المرة الثانية التي ينخدع فيها الأميركيون ببضاعة مسمومة. الأولى كانت العميل الأردني الذي فجر نفسه فيهم في أفغانستان، بعد أن أوهمهم بأنه في صفهم. وهذه المرة عندما عاد أميري إلى طهران وسط احتفالات وضحكات ساخرة وهو الذي استقبلته واشنطن قبل عام أيضا بالفرحة والضحكات الساخرة.

في دراما من إنتاجه، ظهر أميري في ثلاثة تسجيلات فيديو على الإنترنت، مرتان قال فيهما إنه مخطوف، ومرة روى أنه جاء للدراسة، وأخيرا رجع إلى طهران في فصل جديد من حرب laquo;بروباغنداraquo; مثيرة.

ولا بد من الاعتراف بأن السلطة الإيرانية كسبت هذه الجولة، بعد أن عانت كثيرا من الدعاية الصاخبة التي شنتها ضدها المعارضة في الداخل والخارج. وسواء عاد برغبته أم لا، فإن من الواضح أن النظام الإيراني تعلم خلال فترة قصيرة كيف يدير حرب الدعاية السياسية بمهارة، فقد عالج دعائيا قصة اعتقاله زعيم جند الله بطريقة مثيرة كأفلام جيمس بوند. وقبلها استخدم السيد أبطحي الذي اعتقله وأجبره أن يرسل رسائل مصورة عبر الإنترنت من السجن لعموم الإيرانيين يعتذر فيها ويتهم رفاقه في الحركة الإصلاحية. والآن نرى أميري يحتضن طفله سعيدا بعودته.

وقصة أميري محيرة، فالرجل يقول إنه ذهب إلى المدينة المنورة، وهناك تم خطفه وتخديره، ثم رحل إلى الولايات المتحدة. وفي روايته هذه عيبان، فمن غير المألوف أن يخطف الناس في المناسبات المفتوحة، بل العكس هو الصحيح. فالممنوعون من السفر، أو الموضوعون تحت الرقابة، عادة يستغلون مناسبات الرياضة الدولية أو الزيارات الدينية للهرب. وقد فعلها إيرانيون من قبل؛ حيث أفلت لاعبون ودبلوماسيون وموظفون محسوبون على النظام تحت غطاء المشاركة الخارجية أو زيارة العتبات المقدسة وغيرها. والعيب الثاني في رواية الخطف أن الأميركيين سمحوا له بالعودة والسير بقدميه إلى السفارة في حين أن علماء الذرة يختفون، وبعضهم يغتالون لأنهم يعتبرون قيمة عسكرية. ويصعب أن نصدق أنهم خطفوه ثم تركوه يسير كسائح مل من السفر، وهم الذين لا يسمحون لسجنائهم في غوانتانامو المحروسة بأن يسيروا إلى دورة المياه بضعة أقدام إلا مربوطين ومخفورين.

وهناك تصور آخر يقضي بأنه ربما طلب اللجوء بعد أن غرر به، وعندما وصل إلى واشنطن بدل رأيه وأصر على العودة إلى بلده.

والاحتمال الآخر أنه جاء برغبته، وبعد أن حصل منه الأميركيون طوال الأشهر الاثني عشر الماضية على كل ما يريدون من معلومات تركوا له حرية العودة. والعيب في هذه القصة أن عودته تسيء للأميركيين، وتثني الراغبين الآخرين في الهروب عن فكرتهم.

وهناك احتمال مبني على فهمنا لطبيعة النظام الإيراني المعروف بقسوته مع المعارضة. ربما هددوه بعائلته، زوجته وابنه. وليست جديدة عليهم هذه الممارسات. فعندما قرر الأمن قمع الإصلاحيين في العام الماضي اعتقلوا ابنة الشيخ هاشمي رفسنجاني، ولاحقوا أقارب لكروبي وموسوي.

السيناريو الأخير جامح في الخيال، وهو أن الرجل خديعة من قبل الأمن الإيراني أرسله كمنشق مزعوم لاستكشاف الوضع وتشويه سمعة العدو. وقد حدثت حالات مماثلة، فبعد اغتيال رفيق الحريري ظهر شهود عيان زعموا قصصا خيالية، وتم تبنيها ليتضح لاحقا أنهم كانوا موجهين لنشر معلومات مغلوطة لإضعاف التحقيق وكسر مصداقية الشهود الحقيقيين.

أحيانا الحقائق تكون أبسط من كل ذلك، ولنتذكر أن عمره 32 عاما فقط، وقد يكون مثل كثير من العلماء المتفوقين علميا أنه يشهد لهم أيضا بالسذاجة السياسية، وهذا يفسر إن كان قد خدع من قبل الأميركيين، أم أنه غير رأيه.