وليد شقير


دخلت العلاقة اللبنانية ndash; السورية مرحلة الجدية في صوغ مستقبل التعاون بين البلدين، وفي رسم موقعهما المشترك في الإطار الإقليمي الواسع، إضافة الى صوغ طبيعة العلاقة الثنائية الخاصة، مع كل تعقيداتها التاريخية والجغرافية وموروثاتها السلبية والإيجابية على السواء.

أوحت الزيارة الأخيرة لرئيس مجلس الوزراء اللبناني سعد الحريري لدمشق ودسامة المواضيع التي تناولتها، وتوسع اللقاءات التي تخللتها لتشمل اجتماع الحريري الى الرئيس السوري بشار الأسد ووزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو، بأن ما ينتظر البلدين من تحديات وصعوبات على الصعيد الإقليمي يحتاج من كل منهما أن يتعاطى مع الآخر على أنهما ساحة إقليمية واحدة، فيتأثر كل منهما بالتعقيدات المطروحة على الآخر.

والأرجح أن مرحلة الاختبار التي مرت بها عملية استعادة العلاقة بين البلدين منذ زيارة رئيس الجمهورية ميشال سليمان دمشق صيف 2008 ثم زيارة الحريري الأولى آخر العام الماضي أتاحت لكل منهما حسم التوجه نحو إرساء العلاقة الثنائية على أسس جديدة مبنية في الدرجة الأولى على شبكة المصالح بعد أن تمرّن كل منهما على التخفف من أثقال الماضي. وقد تحتاج قيادتا البلدين الى المزيد من التمرين على نمط جديد من التعاطي الثنائي، على رغم أنهما قطعتا شوطاً لا بأس به في التعلّم من الماضي، لكن التأسيس لنهج جديد بات يسمح لكل منهما الاستناد إليه للتفرغ لاستحقاقات مصيرية إقليمية تقض مضجعهما.

وإذا كانت دمشق تضطلع في هذه المرحلة بدور سياسي محوري على الصعيد الإقليمي في ما يخص معالجة أزمة تأليف الحكومة في العراق فلأنها تتمتع بعلاقة متعددة الأطراف مع دول معنية بهذه الأزمة، تبدأ من إيران، وتمرّ بالمملكة العربية السعودية ولا تنتهي بتركيا بل تتعداها الى الدول الكبرى المهتمة بما ستؤول إليه الحال في بلاد الرافدين. ولا حاجة للتذكير بدور سورية على الصعيد الفلسطيني والحاجة إليها في تحقيق المصالحة الفلسطينية... الخ. وهي كلها أوراق تسعى القيادة السورية الى توظيفها في سياق الانفتاح الغربي عليها.

إلا أن هذه الأدوار كلها، التي تثبّت موقع دمشق المحوري على الصعيد الإقليمي، تبقى ناقصة من دون الارتقاء بعلاقتها الثنائية الطبيعية مع لبنان الى توافق على مواجهة تحديات إقليمية قد يقود الفشل فيها الى إفقاد بعض أدوارها الإقليمية الأخرى فعاليتها، ومثلما احتاج لبنان الى المصالحة مع سورية من أجل العودة الى حد أدنى من الاستقرار الذي افتقده البلد منذ صيف 2004، فإن استقرار لبنان بات حاجة الى سورية كي تحافظ على دورها المحوري الإقليمي، لأن شظايا أضرار تهديد الاستقرار فيه ستصيبها بهذه الطريقة أو تلك. وعليه، فإن تداعيات حرب إسرائيلية على لبنان و laquo;حزب اللهraquo; فيه لن تكون سورية بمنأى عنها. وهي، مثل حليفها laquo;حزب اللهraquo;، تستعد لمواجهة هذا الاحتمال، لكنها تريد إبعاده لئلا يطيح بما حققته من إنجازات في عملية امتلاكها الأوراق.

وإذا كانت مواجهة تقويض الاستقرار عبر الحرب هي التحدي الأول، فإن التحدي الثاني يكمن في مواجهة التكهنات والمخاوف من تداعيات صدور قرار ظني عن التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري يتهم أفراداً من laquo;حزب اللهraquo;، على الوضع اللبناني الداخلي في شكل يقود الى فتنة تطيح بالاستقرار، هذا فضلاً عن احتمال أن يصيب هذا القرار سورية بطريقة أو بأخرى.

وفي وقت تسعى إسرائيل الى حماية نفسها في الحرب عبر laquo;القبة الحديديةraquo; لاعتراض صواريخ laquo;حزب اللهraquo;، الذي يتّكل بدوره على قوته الصاروخية رادعاً لخيار الحرب الإسرائيلية، فإن دمشق ومعها لبنان، يتكلان على شبكة العلاقات الإقليمية والدولية لضمان الأمان من الحرب. وثمة من يعتقد أن رقعة المساحة الإقليمية والدولية المشتركة التي يقف عليها لبنان وسورية تتيح لهما المراهنة على الإفادة منها كشبكة أمان لإبعاد شبح الحرب وتداعيات قرار المحكمة الدولية. حتى الجزء الرمادي من هذه الرقعة يمكن لكل منهما أن يفيد الآخر فيها بحسب اختلاف موقعه. فالأسد والحريري لعبا دوراً أساسياً في تطوير وتحسين علاقاتهما مع روسيا وتركيا. ومقابل علاقة لبنان الجيدة مع أوروبا فإن انفتاح الأخيرة على دمشق لا يقل أهمية. ومع حرص أميركا على دعم لبنان في مواجهة النفوذ الإيراني فإن حوار سورية مع واشنطن يتقدم باضطراد على رغم العثرات، وإذا كانت علاقة لبنان بالمملكة العربية السعودية خاصة ومميزة فإن علاقة دمشق بالرياض تغوص في تنسيق متواصل وعميق حول اليمن والعراق ومصر. وبينما يستمر التحالف الاستراتيجي بين سورية وإيران فإن لبنان يتهيأ لانفتاح جديد على الأخيرة.

ولكل من هذه الدول دوره في علاقته مع أحد طرفي الثنائي اللبناني ndash; السوري يلعبه في مواجهة تحدي الحرب وتداعيات المحكمة. فبعضها أقدر على ثني إسرائيل عن الحرب، وبعضها أقدر على معالجة تداعيات المحكمة.