مشاري الذايدي


أستغرب من بعض الأصوات، في الإعلام العربي، التي تشير إلى laquo;انتهاءraquo; مشكلة الإرهاب أو السيطرة عليها.

الحال أنه لم تتوقف جماعات laquo;القاعدةraquo; وكل تشكيلات العنف الديني الحديث عن النشاط منذ عقد من الزمان بل قبل هذا ببضع سنوات منذ تفجيرات العليا بالعاصمة السعودية الرياض عام 1995 إلى الآن، في السعودية وخارج السعودية، عبر مسرح تنفذ فيه جماعات الإرهاب الدينية عروضها يمتد على أديم الأرض كلها.

تنوعت الأسباب وتداخلت الألوان واضطربت اللغات وتباعدت المسافات، لكن جوهر العمل الإرهابي الديني هو نفسه.

لا تهدأ دائرة من دوائر العنف الديني إلا وتنشط دائرة أخرى، الآن نرى تنظيم laquo;القاعدةraquo; laquo;يتوهجraquo; في اليمن والصومال، لدرجة يخشى فيها من تحويل الركن الجنوبي الغربي للجزيرة العربية إلى مركز عمليات كبرى لـlaquo;القاعدةraquo; في العالم، فعبر ضفتي باب المندب يمتد جناحان كبيران لـlaquo;القاعدةraquo;، في الصومال واليمن.

قاعدة الصومال تتدفق نحو عمق القارة السمراء، ورأينا كيف نفذت عملية تفجير دامية في مقهى عام بالعاصمة الأوغندية، حصدت جمهورا كان محتشدا لمشاهدة مباراة الختام في مونديال جنوب أفريقيا.

والأخبار تطل علينا كل يوم في اليمن عن laquo;قاعدةraquo; اليمن، يقتل ضابطا هنا أو يفجر مقرا للأمن هناك، أو يطلق شريطا مصورا عن أحد انتحارييه، ممن يتجهزون في اليمن ثم يستهدفون السعودية.

في العراق لم يهدأ laquo;القاعدةraquo;، ويبدو أن تفجير مكتب laquo;العربيةraquo; في بغداد بهجوم انتحاري هو من عمل هذا التنظيم.

إذن عن أي هدوء أو انتهاء لموجة الإرهاب نتحدث؟ الأمر يسير باتجاه تصاعدي لا تنازلي في مسار العنف الديني، الأمر ليس مرهونا بالاحتلال الأجنبي كما يحلو للبعض قوله، نعم وجود قوات عسكرية أجنبية مثلما هي الحال في أفغانستان أو العراق يعطي ذريعة كبرى لنشاط جماعات القتال الديني تحت عنوان laquo;الجهادraquo;، ولكن كيف يمكن فهم وتفسير العنف الديني ووجود laquo;القاعدةraquo; laquo;الشرسraquo; في اليمن؟ حيث لا احتلال ولا عسكر أجنبيا أميركيا أو غيره يبسط ظله في البلاد؟ بل كيف نفهم أو نفسر نشاط laquo;القاعدةraquo; العنيد في السعودية، لأننا نعلم أن الغرض الرئيسي من تدفق شباب سعودي إلى اليمن للالتحاق بـlaquo;القاعدةraquo; هو استهداف السعودية نفسها. والسعودية لم تخضع، لحظة من الدهر، لأي شكل من أشكال الاحتلال أو الاستعمار الأجنبي؟

الفكرة هي أن وجود ونشاط laquo;القاعدةraquo; ليس سببه الموجد له هو مقاومة الاحتلال الأجنبي، كما يردد بعض أنصار التفكير القومي الثوري أو اليساري من العرب، بل إن laquo;القاعدةraquo; يستمد وجوده من ذاته، ونشاطه من طبيعة هويته فهو - لأنه تنظيم ذو تفكير ديني خلاصي - لا يستطيع إلا أن ينقض على الجميع، فكلهم خونة كفرة. الوجود الأجنبي والاحتلال العسكري الأميركي أو غيره، laquo;يساعدraquo; تنظيم القاعدة على الاستقطاب والتجنيد والنشاط، وحسب. وقد يعطيه أيضا نوعا من التعاطف أو التحليل الرغبوي لطبيعة دوافعه، كما حصل من قبل كثير من التحليلات العربية لنشاط laquo;القاعدةraquo; في العراق، لأن هناك من لا يرى إلا بعين واحدة هي عين كراهية الاحتلال. وهذا أمر طبيعي ولا غبار عليه، لكن المشكلة هي تسخيف أو تهميش أي خطر أصولي أو تفشي الفكر المتطرف، بعد انقشاع غبار الحرب، حيث لا يبقى بعد رحيل الأجنبي وهدير المحركات العسكرية باتجاه الخروج، إلا غمامة التطرف المسموم.

معضلة الإرهاب الديني ليس فقط فيما يحصده من أرواح أو يصيب به من جراح، رغم فداحة هذا الأمر. المعضلة الحقيقية هي فيما يتسبب به laquo;الفكر المتطرفraquo; من إشاعة جو فكري مسموم، إضافة لطبيعة الجدل العقيم الذي يشيعه نقاش الإرهاب وترامي التهم حول مسؤولية الإرهاب. ولذلك خرج علينا أناس من رموز التيار الإسلامي في السعودية تحت ضغط الجدل والنقد في الصحافة السعودية حول مسؤولية الإرهاب بمقولة إن laquo;تطرفraquo; التيار الليبرالي من أسباب الإرهاب! على طريقة الفنان المصري الكوميدي عادل إمام في مسرحية laquo;شاهد ما شافش حاجةraquo; حينما صفع عسكريا على وجهه ثم ذهب يشكو العسكري إلى الضابط قائلا إن العسكري laquo;ضربه بوشه على إيده!raquo;.

لم تنته مشكلة الإرهاب، لكن هناك حديث كثير حولها، وكثير من هذا الكثير laquo;غثraquo; لا سمين، لكن هذا الغثاء أو الغث يجب ألا يصرف الاهتمام عن حقيقة وجود مشكلة كبرى في الثقافة العربية تنتج التطرف الديني بشكل واضح.

لا نقول إن الإرهاب خصيصة عربية أو إسلامية، ولكن هناك مشكلة قائمة، وتفريخ دائم لشباب التطرف والإرهاب الديني.

انظروا إلى أعمار المنفذين الجدد لأعمال laquo;القاعدةraquo; في اليمن أو السعودية أو العراق وغيرها. جلهم شباب صغار تجندوا بعد laquo;حفلةraquo; التناول الإعلامي المكثف للإرهاب منذ عدة سنوات. أي إن الدعاية المضادة بكل أشكالها لم تثمر شيئا فيما يخص هؤلاء، وإن الدعاية المضادة وغواية الفكر المتطرف كانت هي الأكثر قوة، وربما ما زالت هي الأرجح كفة لدى كثير من الشباب.

مشكلة أخرى، هي أنه لو شبهنا الإرهاب بفيروس معقد، فإنه قد تطور في دفاعاته وتحوراته بدرجة مخيفة، تطور خطابيا وعسكريا وتكتيكيا وتخطيطيا.

يحدثني خبير أمني سعودي عن أن تنظيم القاعدة قد طور في حركته وخططه للتجنيد، وأنه قد حول مركز عملياته من العراق لليمن، ويشير إلى أنه كانت هناك باستمرار أرض laquo;نقيةraquo; في الخيال القاعدي، تكون حجة للتجنيد والاستقطاب الجديد، سواء الشيشان أو البوسنة أو غيرها، لكن لا يلبث المجند أن تتحول وجهته نحو أرض أخرى يكون لـlaquo;القاعدةraquo; فيها قاعدة، أي إنه لا يقال للشخص المجند مباشرة تعال معنا عضوا في laquo;القاعدةraquo;، بل بشكل متدرج يصبح قاعديا، والآن تعتبر العراق، حسب محدثي، أكبر وسيلة دعائية للتجنيد، باعتبار أن ارض الرافدين محتلة من الصليبي، ولكن لا يلبث المجند أن تتحول وجهته إلى أماكن أخرى للتدريب والإعداد، أبرزها اليمن الآن، وهكذا تتضخم أعداد جنود laquo;القاعدةraquo;.

لم أستغرب حديث هذا الخبير، والسبب أن التقارب الذهني والنفسي الكبير بين جماعات الخلاص الإسلامي متشابه لحد التطابق. ومن اليسير تحويل laquo;زرraquo; الحركة من اتجاه إلى اتجاه آخر ومن أرض إلى أرض أخرى، ما دامت laquo;المكينةraquo; هي ذاتها!

قلنا وقال غيرنا منذ عقد من السنين، إن الإرهاب لم ولن ينتهي من أرض العرب والمسلمين ما لم نخرج من صندوق الحل الأمني فقط، أو خطاب التبرئة للذات أو تهميش المعضلة الفكرية التي تكون ثقافة laquo;القاعدةraquo; وأشباه laquo;القاعدةraquo;، باختصار ما لم يكن الأمن هو الجزء الظاهري من الحل، بينما يكون الإصلاح الفكري والسياسي وlaquo;إعادة هندسةraquo; المجتمعات العربية، الجزء الباطني من الحل.

ما لم يكن هذا التوازي بين حل الظاهر وحل الباطن، فسنظل نركض في هذا الدائرة الجنونية حتى الإعياء والانهيار.