عبدالله جمعة الحاج

قطعت الإمارات شوطاً رائداً بالنسبة لفهم واقعها في هذه المرحلة من تاريخ العالم. ويوجد لديها مجتمع يدرك حقيقة مفادها أن مفهوم التحديث مرتبط بالثقافة بطريقة قوية، وأن من الواجب الاعتماد على الذات على المستويين الوطني والشخصي. ويعود السبب في ذلك -في تقديري- إلى تفاقم المشاكل الدولية التي لم يتم توقعها، والمتعلقة بالارتباطات العالمية، التي تتعامل معها البلاد، وتعقد تلك المشاكل في بعض الأحيان.

لقد أدرك أهل الإمارات بأن ما كانوا يسمعونه عن العالم الخارجي، إقليمياً أو دولياً، فقد سحره بالنسبة لقضايا التنمية في وطنهم، وأنه في سبيل بحثهم عن إجابات شافية لمشاكل وطنهم، يتوجب عليهم الاعتماد كثيراً على ذاتهم وأن يقفوا على أقدامهم .

ما نلاحظه هو، أنه بالنسبة لقضايا وطنهم الخاصة، لم يتعود الإماراتيون على هز رؤوسهم بالموافقة على كل ما تقوله الجهات الخارجية، فالأجيال الجديدة التي ظهرت في مرحلة ما بعد قيام الاتحاد، ليست مهتمة كثيراً بهذا النمط من العلاقات مع العالم الخارجي. ونظراً لكونهم أكثر تحرراً من التبعية الثقافية والنظرة العالمية المصاحبة لذلك، فإنهم مفعمون بثقة أكبر في النفس والوطن لدرجة أنهم ليسوا مهتمين كثيراً بالحاجة السيكولوجية للحصول على الموافقات الخارجية على نشاطاتهم الاقتصادية والثقافية والفكرية. وهذا يعني أن أهل الإمارات لا يشغلون أنفسهم بقضايا الاغتراب الآتية من الانتماء إلى أكثر من ثقافة، بل يشعرون بشكل ثابت بأنهم ينتمون بطريقة جذرية، إلى وطنهم ومجتمعهم الذي يعيشون فيه.

ويأتي طرحنا هذا من فهم عميق لجيل مجتمع الإمارات ما بعد قيام الاتحاد، فهو جيل ليس لديه اهتمام بالشعارات والأيديولوجيات الخارجية التي ساد العديد منها في المنطقة في أحقاب الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، ولكن لكي يتمكن أهل الإمارات من تشخيص سلبيات مجتمعهم فيما يتعلق بشعورهم الخاص بأهداف وطنهم، ولكي يوضحوا صورة المجتمع العصري الذي يطمحون إلى التوصل إليه، ولكي يتمكنوا من ربط أنماط القيم الجديدة بالحقائق الاجتماعية الثابتة والمتغيرة، ولكي ينيروا الطريق لأنفسهم، ولكي يتعرفوا على العوائق الخطرة على الطريق ومن ثم البحث عن طرق بديلة، ولكي يتوصلوا إلى أهمية كل ما هو جديد بالنسبة لعلاقته بالأهداف الاستراتيجية العامة، فإنهم يجب أن يواجهوا التحديات وجهاً لوجه عن طريق تسلحهم بوسائل المعرفة الخاصة بهم وحدهم. وهذه الأمور تتطلب المزيد من العقلانية، وتوسعة هامش الحرية المتاحة واستخدام ذلك الهامش بطرق واعية، وتغذية مؤسسات المجتمع بروح التمدن وبناء الثقة المتعلقة بالحقوق المدنية والإنسانية وزيادة مستوى الإسهام في قضايا التحديث والتنمية.

هذه الطموحات الخلاقة تتطلب من أهل الإمارات القيام بدور مهم آخر يتعلق برابط عالمي عليهم أن يحققوه، ذلك الرابط هو التفاعل مع عالم خارجي يتغير بسرعة كبيرة، عالم بحد ذاته واقع في مشكلة. وبسبب ذلك فإن الإمارات ستتأثر دون شك بالمشاكل التي يواجهها العالم إما سلباً أو إيجاباً، ولم يعد كافياً الاعتقاد بأنه عندما تتحقق عمليات التنمية والتحديث، ستتمكن الإمارات بطريقة آلية من أخذ مواقعها الصحيحة في عالم اليوم، ففي الوقت الذي ستصل فيه إلى الموقع الذي تنشده ستجد العالم قد تقدم إلى الأمام في نفس اللحظة، وستكون متطلبات ومقاييس القدرة على المحافظة على الموقع وتحقيق التساوي مع الآخرين، قد تبدلت أيضاً .