سليمان العقيلي
في محطته العربية الثانية في دمشق ضمن جولة الأمل العربي أحيا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز عملية التضامن العربي بتحويل المصالحات التي أطلقها في قمة الكويت العام الماضي إلى ملحمة تضامن سياسي مثمر يتعدى العلاقات الثنائية إلى الواقع العربي والإقليمي.
في دمشق كسر الرئيس السوري بشار الأسد البرتوكول مرتين: الأولى باستقباله ضيفه الكبير في المطار واصطحابه إلى قصر الشعب حيث أقيمت مراسم الاستقبال الرسمي. والثانية بإقامة مأدبة عشاء خاصة في مطعم شعبي داخل دمشق مما أعطى للزيارة طابعا أخويا حميما.
أثناء الزيارة صدر تصريح للناطق باسم الخارجية الأمريكية جاء فيه أن على دمشق أن تصغي جيدا لما يقوله الملك عبدالله. هذا التصريح الخالي من التهذيب الدبلوماسي الذي ردت عليه دمشق بقوة مؤكدة أن العلاقات العربية ـ العربية تخص دولا ذات سيادة. وقد فهم المراقبون في دمشق التصريح الأمريكي بأنه قد يكون محاولة لتخريب القمة. غير أن الخارجية الأمريكية صححت موقفها يوم الجمعة بتصريح أثنى على جهود وخطوات خادم الحرمين الشريفين في إحلال الاستقرار والسلام في الشرق الأوسط. لأن صحف بيروت اعتبرت التصريح مسيئا للمملكة العربية السعودية كما هو مسيء لسوريا. وفيما ردت دمشق عليه فضلت الرياض تجاوزه كعادة الدبلوماسية السعودية في الابتعاد عن اللغو السياسي.
القمة واصلت تحقيق أهدافها باتفاق سعودي ـ سوري على مجمل القضايا الساخنة في المنطقة، بدءا من الوضع في لبنان وأهمية استقراره ووحدة طوائفه، مرورا باستقرار العراق وأهمية التعجيل بتشكيل حكومة وحدة وطنية تضم مختلف ألوان الطيف السياسي وتحافظ على عروبة العراق، وانتهاء بالوضع الفلسطيني والتشديد على تحقيق المصالحة الوطنية. ولم ينس الجانبان تحية تركيا على مواقفها المساندة للشعب الفلسطيني.
وكان واضحا في البيان الذي صدر عن القمة اصطباغه بالحس القومي العربي الذي يجمع اهتمام البلدين، فقد ركز على عروبة العراق وهو حرص سعودي أيدته دمشق بلا تردد. كما أكد الجانبان على quot;دعم مسيرة التوافق التي شهدها لبنان منذ تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، ودعم كل ما يسهم في تثبيت استقراره ووحدته وتعزيز الثقة بين أبنائهquot;، وفي ذلك مظلة أمنية سورية ـ سعودية للوضع اللبناني. حيث كان لبنان موقع التقاء وافتراق بين البلدين، الشيء الذي دفع رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري إلى إطلاق نظرية س + س من أجل عافية لبنان.
دمشق كانت مزهوة بزيارة العاهل الكبير حيث تعطي بمشتركاتها مع السعودية الدليل على انفتاحها واعتدالها السياسي وحرصها أن تكون جزءا من الحل في مشكلات الإقليم الشرق أوسطي بعد أن كانت توصف بأنها جزء من مشكلات المنطقة. وفي هذا التطور تأهيل سياسي لنادي الدبلوماسية الدولية خاصة بعد تضييق الخناق على الحليف الإيراني. كما أن عودة دمشق إلى حضنها العربي فيه من الفوائد الاقتصادية التي تبدأ بالاستثمارات الخليجية ولا تنتهي بالقروض والمعونات الرسمية من البنوك المحلية والدولية. لا شك أن السنوات العجاف التي عاشتها دمشق على مدى خمس سنوات ماضية اتسمت بالقلق السياسي وبالعزلة الدولية والعربية, ورغم أن الحكومة السورية كانت تنفس عن عزلتها عبر بيروت في عدة صور منها حلفاؤها المحليون. إلا أن كثيرا من هؤلاء لا يملكون المصداقية والتأثير الخارجي. ولم تؤد أدوارهم ورسائلهم إلا إلى المزيد من النتائج السلبية على سوريا نفسها.
الرياض سعيدة أيضا بحميمية علاقاتها السورية، فالشام رقم هام جدا في دبلوماسية الشرق الأوسط وفي الأوضاع المعقدة بالدول المجاورة لها. ورغم التباين النسبي بين البلدين في بعض المواقف والقضايا خاصة تجاه الحركات المسلحة مثل حزب الله وحماس والعلاقة مع إيران إلا أن المملكة لا تشترط لبنيان تحالف سياسي مع دولة ما تغيير سياستها الخارجية أو المشاركة في اختيار حلفائها، لأنها تؤمن بالحق السيادي لكل دولة في اختيار نهجها السياسي. غير أن شروط التحالف تقوم على مبدأ عدم تخريب أحد الطرفين جهود الآخر أو التغبير على مصالحه. بل التعاون لتحقيق أهدافهما المشتركة. وهذا مبدأ سياسي ودبلوماسي واضح. فالرياض لا يهمها أن تكون لدمشق علاقة استراتيجية مع طهران، فهذه حقيقة سياسية عمرها ثلاثون عاما. بل المهم توظيف هذه العلاقة لخدمة المصالح العربية. كما أن المأمول من علاقات دمشق بحركات المقاومة وفق الرؤية السعودية هو ترشيد السلوك المقاوم بحيث لا يستخدم ضد الشريك الوطني ولا ينزلق إلى ما يعطي العدو الإسرائيلي الذرائع لتفجير الحروب الشاملة والمدمرة. وهو أمر تدركه دمشق وربما تقدر فوائده إذا كانت في وضع سياسي مريح. وهو ما تـأمل الرياض أن تسهم في تهيئته للشريك السوري.
التعليقات