محمد نور الدين
تتجه العلاقات التركية ldquo;الإسرائيليةrdquo; إلى مرحلة جديدة قد تكون مختلفة عن المراحل السابقة، وهذه العلاقات شهدت تحالفات وثيقة منذ تأسيس ldquo;إسرائيلrdquo; وحتى الأمس القريب .
ومع أنها شهدت أزمات محدودة أو متوسطة، لكن التوتر الأكبر في هذه العلاقات جاء مع التحول في سياسة تركيا الخارجية في عهد حزب العدالة والتنمية، ليس لأن الحزب اتبع سياسة معادية ل ldquo;إسرائيلrdquo;، بل لأنه أراد الانفتاح أيضاً على العالم العربي والإسلامي إلى جانب إبقاء علاقاته الجيدة مع ldquo;إسرائيلrdquo; . ولا ينسى أحد محاولات تركيا إيجاد حل للصراع العربي - ldquo;الإسرائيليrdquo; بين ldquo;إسرائيلrdquo; من جهة، وسوريا والفلسطينيين من جهة أخرى .
عدم تفهم ldquo;إسرائيلrdquo; للدور التركي الجديد وفهمه على أنه معادٍ لها صعّد في التوتر بين البلدين، ودفع المسؤولين الأتراك وفي مقدمهم رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان إلى توجيه انتقادات لاذعة للسياسات ldquo;الإسرائيليةrdquo; التي رأوا فيها إهانة لكل المسلمين، ولكل محاولات أنقرة التوسط بين ldquo;إسرائيلrdquo; والعرب .
لا يكفي ذلك لفهم التوترات الكبيرة في العلاقات التركية ldquo;الإسرائيليةrdquo; .
فتركيا بدأت تكثف حضورها في المنطقة العربية والإسلامية وتكسب المزيد من النفوذ الذي من أسبابه تراجع الموقع العربي، فكانت الطريق متاحة أكثر لبروز الدور التركي .
وفي نظرية ملء الفراغ ليس من مجال للاجتهاد وrdquo;التفلسفrdquo;، فإذا وجد لاعب واحد ملأ وحده كل الفراغ، وإذا وجد لاعبان تقاسماه، وهكذا دواليك .
حتى إذا حضر اللاعب التركي أخذ من حصة اللاعبين الموجودين ومنهم ldquo;إسرائيلrdquo;، وهذا ما أثار ldquo;إسرائيلrdquo; فبدأت تعد العدة لضرب هذا الدور بالتعاون مع بعض العرب وكل القوى الكبرى في العالم، ومنها روسيا والصين، إذ إن الدور التركي أحرج من جهة ldquo;اللاعبينrdquo; العرب، وأثار قلق القوى الكبرى من ناحية ثانية، ولاسيما بعد تحول تركيا إلى لاعب دولي بفضل دورها في اتفاق طهران النووي مع البرازيل .
تجمعت العوامل ليحصل الصدام بين البلدين وهذه المرة بمبادرة ldquo;دمويةrdquo; من ldquo;إسرائيلrdquo; في الاعتداء على أسطول الحرية .
بعد فورة حماسية في الخطاب التركي تلا مجزرة أسطول الحرية ومقتل تسعة أتراك، تكثفت الاتصالات التركية مع الولايات المتحدة الأمريكية، وبدأ مسلسل المطالب التركية يشهد مناخاً من التفهم لترميم العلاقات بين انقرة وتل أبيب . غابت العبارات الحادة من خطاب تركيا وrdquo;إسرائيلrdquo;، وبادر الطرفان إلى خطوات متبادلة تعكس مؤشرات على رغبتهما في تطبيع العلاقات أو نزع صفة التوتر عنها .
أولاً قالت ldquo;إسرائيلrdquo; إنها ستعيد السفن التركية الثلاث المشاركة في أسطول الحرية، وثم ألغت تحذيرها لرعاياها بعدم السفر إلى تركيا .
وأخيراً وافقت ldquo;إسرائيلrdquo; على لجنة التحقيق الدولية التي شكلها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في أول موافقة ldquo;إسرائيليةrdquo; على لجنة دولية .
وإذا كان من تفسير للخطوات ldquo;الإسرائيليةrdquo;، فهو الرغبة في إعادة العلاقات إلى طبيعتها مع تركيا .
لكن هذه الرغبة لم تكن لتحصل لو لم تكن قد اعتبرت أن الرسالة الدموية في أعالي البحار قد وصلت إلى تركيا .
هل وصلت الرسالة إلى تركيا؟ربما نعم، وربما لا، لكن ما هو واضح حتى الآن أن أنقرة تتبع سياسة تبريد الأجواء مع ldquo;إسرائيلrdquo; .
وفي مؤشرات ذلك قول وزير الخارجية أحمد داود أوغلو إن مطلب الاعتذار يمكن أن يتأجل حتى تشكيل لجنة تحقيق دولية وظهور نتائجها . أيضاً فإن خطوات تركيا الفورية ضد ldquo;إسرائيلrdquo; لم تكن بحجم دماء الأتراك التسعة الذين ما زالت دماؤهم تنتظر الثأر، وإن ليس بالضرورة على الطريقة التقليدية الدموية .
تشكيل لجنة التحقيق الدولية اعتبرها الأتراك نصراً لهم على أساس أن ldquo;إسرائيلrdquo; ترضخ للمرة الأولى للقانون الدولي .
لكن يجب على إخواننا الأتراك التنبه إلى أن ldquo;إسرائيلrdquo; لم توافق على تشكيل اللجنة إلا لكي تميّع التحقيق الدولي، خصوصاً أن الأمم المتحدة وبان كي مون تحديدا معروف بمواقفه المنحازة إلى ldquo;إسرائيلrdquo; وتبعيته للولايات المتحدة .كما أن الرئيس الكولومبي الحالي المنتهية ولايته الفارو أوريبي هو صنيعة الولايات المتحدة والمحرّض الأكبر على حكم هوغو شافيز في فنزويلا المعادي ل ldquo;إسرائيلrdquo; وأمريكا، كما أن أوريبي من الداعمين الكبار للوبيات اليهودية في العالم .
وعلى هذا يمكن أن تشكل لجنة التحقيق بتركيبتها ldquo;فخّاًrdquo; لتركيا بحيث تضيع مسؤولية ldquo;إسرائيلrdquo; الكاملة عن إراقة الدماء، بل أكثر من ذلك يمكن أن تحمّل تركيا مسؤولية في التحريض على ldquo;إسرائيلrdquo; من خلال إدانة نشاط هيئة الإغاثة التركية الإنسانية التي نظمت قافلة أسطول الحرية .
لا يبدو أن تركيا قد فهمت بعد جيداً العقلية ldquo;الإسرائيليةrdquo;، واذا كان قبول تركيا بتشكيل مثل هذه اللجنة المنحازة سلفاً إلى ldquo;إسرائيلrdquo; محاولة للخروج من مأزق علاقتها مع الغرب ورغبتها في إعادة التواصل معه، فهو أمر يخصها .لكن من الضروري أن تأخذ في الاعتبار ألاعيب ldquo;إسرائيلrdquo; وانحياز واشنطن والأمم المتحدة في أية مبادرات تلجأ إليها، وفي أي موقف تتخذه حفاظاً على سمعة تركيا في المنطقة العربية، وعلى استمرار حضورها في الشارع العربي والإسلامي .
التعليقات