علاء حسين مطلق

سببان يدفعان إلى كتابة هذا المقال في هذا التوقيت؛ أولهما أن تراكم الأحداث والعمليات الدامية الكثيرة واستعادة المليشيات والعصابات الإجرامية حيويتها التنظيمية والعسكرية في مناطق متفرقة من العراق، وتحديدا في محافظات (البصرة والأنبار وبغداد)، والحاصل هو أن الشعب العراقي بات موضوعاً ممثلاً لتهديد من نوع أو آخر ما دامت الأخبار والأنباء لا تحمل للعالم من ناحيتنا إلا أخباراً من أمثال القتل الطائفي أو التهجير أو الإبادة أو الاجتثاث.
السبب الثاني أنه وسط هذه الأحداث الدامية التي تجري في العراق، فإنه لا ينبغي نسيان قضية الشعب العراقي في العيش بسلام وأمان، لأنها في النهاية هي الأصل في هذا الصراع الدائر في العراق، سواء من قبل القوى الخارجية أو الداخلية المتصارعة على الحكم فيه.
وبهذه المناسبة عثرت على مقالة سابقة لي تحدثت فيها عن سيناريوهات تشكيل الحكومة العراقية الجديدة وإن خيارات قد تقلصت في اتجاهين متضادين كل واحد منهما يحاول كسب السباق والفوز بمنصب رئاسة الوزراء، وإن كان البعض يحاول القفز وفق رؤية ضيقة الأفق بغية الحصول على مكاسب أو مناصب متجردا من القيم والمفاهيم التي لا تمكنه من الوصول إلى ما يخدم المصلحة العليا، والمشهد اليوم كما هو ظاهر كل طرف فيه يحاول تحقيق مصالح خاصة على حساب مصالح الآخرين حتى ان كان من حلفائه.
وفي تقديرنا أن السباق قد انتهى والخيار الوحيد المتوقع لتشكيل الحكومة العراقية المقبلة هو تشكيل الحكومة من قبل ائتلاف دولة القانون والتحالف الكردستاني، وهو تجديد لتحالف سابق (التحالف بين حزب الطالباني والبرزاني والمالكي)، ومن هذا التحالف تشكل الحكومة، والمعطيات على ذلك كثيرة؛ منها زيارة السيد المالكي لكردستان العراق وإعطاؤه ضمانات بتطبيق المادة (140) المنتهية ولايتها واعتبارها مادة دستورية نافذة التطبيق في أي وقت، وبالمقابل فإن تنازل السيد علاوي من رئاسة الوزراء لشخص آخر من قائمته مستحيل، لان أعضاء قائمته من العرب السنة وهذا ما لا يسمح به الشيعة.
وبذلك سوف يواجه البلد نفس المصير الذي عاشه خلال السنوات السبع المنصرمة، ونكون أمام حكومة قائمة على أساس تهميش مكون أساسي في المجتمع العراقي وسرعان ما ستفشل في عملها، وهو ما لا ترتضيه الإدارة الأمريكية راعية العملية السياسية لأن هذا التشكيل سوف لا يخدم مصالحها في المنطقة ويقوي النفوذ الإيراني في العراق والمنطقة، إضافة إلى أننا نكون أمام خرق للدستور بعدم إعطاء القائمة الفائزة بالانتخابات حقها الدستوري في تشكيل الحكومة وتغييب إرادة الجماهير التي انتخبتها، كما إن مطالب القائمة الكردية سوف تجابه بالرفض من بعض الأطراف داخل البرلمان العراقي، التي لا ترى إمكانية فصل كركوك عن المركز وضمها لإقليم كردستان. وبذلك تكون القائمة الكردية الخاسر الأكبر في هذا التحالف، لأنها بحاجه لأصوات النواب من المناطق المتنازع عليها لإجراء الاستفتاء على عائديه تلك المناطق.
ومن هذا التحالف تشكل حكومة ما يسمى شراكة وطنية تجمع بعض الشخصيات من القوى الفائزة بالانتخابات، وهو ما تدعو إليه الإدارة الأمريكية وما يخدم مصالحها، حيث نكون أمام حكومة ضعيفة تعمل على أساس التوافقات والتمثيل الطائفي والمذهبي والفئوي، وبذلك نكرر نفس تجربة السنوات السبع المنصرمة، ونظل ندور في حلقة مفرغة لمدة أربع سنوات يزداد فيها الفساد الإداري والمالي ولا تقدم شيئا للعراقيين سوى الوعود الفارغة.
وكان الأجدر بنا تشكيل حكومة ذات أغلبية برلمانية لأننا بذلك نؤسس للديمقراطية ونعطي القائمة الفائزة بالانتخابات فرصة إدارة البلد لنرى ما يمكنها من تقديمه للشعب العراقي من معالجة للأوضاع المتردية والنقص الحاد بالخدمات وتزايد البطالة، وبعد ذلك يرى الشعب إدارته التي أنتخبها إن كانت جيدة أم لا، وهو من سيقرر انتخابها مرة ثانية أم لا. بالمقابل تكون القوائم الأخرى في صف المعارضة البرلمانية التي تؤهلها لمراقبة عمل الحكومة وتكون لها فرصة الاستعداد لخوض الانتخابات القادمة بالشكل الذي يؤهلها لخدمة البلاد وتصحيح أخطائها.
والتساؤل الذي نطرحه للقوائم الفائزة بالانتخابات هو ماذا لو اتفقت هذه القوائم على تشكيل تكتل نيابي جديد؟ وهو ما نراه في الأفق من ظهور كتلة (الغضب الوطني) التي سوف تتكتل في البرلمان في الضد من توجهات الكتل الكبيرة. وماذا لو انحازت إلى الشعارات التي رفعتها قبل الانتخابات؟
وهي شعارات متشابهة، وخرجت بمشروع يمثل رؤيتها، وبالتالي رؤية الذين صوتوا لها، وهل تستطيع هذه الكتلة الجديدة أن تقف بوجه القوائم الأخرى؟ ونأمل أن يكون الجميع بمستوى المسؤولية في هذه المرحلة العصيبة التي يمر بها البلد والعمل من أجل استعادة العراق لدوره الحقيقي انطلاقا من وحدة البيت العراقي.