حسن مدن

في غمرة النقاش الدائر، عربياً، حول المسألة الديمقراطية بوصفها شرطاً من شروط بناء الدولة الحديثة، يوجه النقد في الغالب الأعم صوب الحكومات لأنها تعيق عملية التحول الديمقراطي أو تحدُّ منها أو تحبسها في قوالب محدودة، وهو على كل حال نقد في محله في الغالب الأعم.

لكن لا يجري الالتفات بنفس الدرجة من الحزم والوعي لغياب الديمقراطية داخل الأحزاب والقوى التي تطالب بهذه الديمقراطية، والتي غالباً ما تضيف صفة الديمقراطية على مسمياتها.

والحق أن هذه الأحزاب والقوى نتاج بيئة غير ديمقراطية لأنها نشأت وتطورت في ظروف المنع والملاحقة والقمع، فكان أن اعتادت أن تدبر أمورها بطريقة غير ديمقراطية.

وحين يجرى الانتقال من ظروف العمل السري إلى العمل العلني فإنها تواجه معضلة حقيقية، لأنها شأنها شأن الحكومات لم تعتد العمل في مناخ ديمقراطي، وألفت العمل بأساليب غير ديمقراطية في حياتها الداخلية، وبات من المتعين عليها أن تبذل جهوداً كبيرة في سبيل نبذ هذه الأساليب والتخلص منها، ومن مظاهر هذه الأساليب الفردية في اتخاذ القرار وعبادة الفرد القائد وتحويله إلى ما يشبه الصنم.

ولن يقدر لعملية التحول الديمقراطي في المجتمعات العربية أن تتم وتسير في المسار الصحيح ما لم يصر إلى إشاعة الديمقراطية في صفوف القوى التي تصنف بأنها معارضة.

من شروط إشاعة الديمقراطية أن يحكم العلاقات بين هذه القوى بعضها بعضاً مناخ صحي قائم على احترام القراءات المختلفة للواقع السياسي في المجتمع المعني والاحتكام إلى الحياة الجديرة بأن تظهر ما هو الموقف الخطأ وما هو الموقف الصحيح ولو بعد حين.

واقع الحال في تجارب الممارسة الديمقراطية في عدد من البلدان العربية التي عرفت مقادير من التعددية السياسية، تكشف عن عدم جاهزية القوى المدعوة للبناء الديمقراطي في أن تكون هي ذاتها ديمقراطية.

والأهم أن يصار إلى إعادة هيكلة هذه الأحزاب والقوى على أسس ديمقراطية، وأن تؤمن بالديمقراطية كخيار وحيد وكأفق وليس بوصفها مجرد وسيلة أو أداة من وسائل أو أدوات الضغط على الحكومات.

غني عن القول إن هذا لن يتم ما لم تظهر الحكومات ذاتها أن خيارها الديمقراطي هو خيار جاد، فبمقدار ما تهيئ الحكومات المناخ الديمقراطي ترسي قواعد وأسس التحول الديمقراطي في المجتمع عامة بما في ذلك في أحزاب المعارضة.