محمد قيراط
عرّف مجمع الفقه الإسلامي الإرهاب بأنه: laquo;العدوان الذي يمارسه أفراد أو جماعات أو دول، بغياً على الإنسان في دينه ودمه وعقله وماله وعرضه، ويشمل صنوف التخويف والأذى والتهديد والقتل بغير حق، وما يتصل بصور الحرابة وإخافة السبيل وقطع الطريق.
وكل فعل من أفعال العنف أو التهديد، يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس، أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم أو أحوالهم للخطر، ومن صنوفه إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق والأملاك العامة أو الخاصة، أو تعريض أحد الموارد الوطنية أو الطبيعية للخطر. فكل هذا من صور الفساد في الأرض التي نهى الله سبحانه وتعالى المسلمين عنها بقوله: ؟ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين؟، القصص:77raquo;.
تكمن المشكلة الأساسية في عدم وجود تعريف واضح ودقيق ومتفق عليه لمصطلح الإرهاب، أو صور محددة لمعالجته. هذا اللامعرف واللامسمى، أصبح ذريعة لاستهداف أفراد ودول وحتى معتقدات.
فإن كان الإرهاب هو القتل العشوائي الذي لا يفرق بين مدني وعسكري، ولا بريء أو مسيء ولا مظلوم أو ظالم، ولا يبالي بالأرواح ولا الممتلكات، فلا يمكن أن تكون لهذه الأعمال صلة بالإسلام كما سنوضح لاحقاً.
فهذا المصطلح لم يرد أصلاً في القرآن الكريم، وإنما ورد لفظ laquo;الرهبةraquo; من خلال مشتقاته التي تختلف في معناها عن المقصود به والشائع اليوم. فقد اقتصرت دلالته في النص القرآني، على ما يعرف بالlaquo;ردعraquo; الذي يهدف إلى تخويف الطرف الآخر، وثنيه عن الإضرار بمصلحة المسلمين.
وقد صُنف العديد من الحركات والمنظمات في العالم على أنها إرهابية، كحركة laquo;كاخraquo; الإسرائيلية، وجماعة النظام الجديد اليمينية الإيطالية، ومنظمة أبناء الحرية الأميركية، ومنظمة نوكاها اليابانية، وحركة شباب لاوتار التشيلية، وحزب العمال الكردستاني، ومنظمة تحرير الباسك، ومنظمة جيش التحرير الوطني الايرلندي.. وغيرها الكثير.
السؤال الذي يطرح نفسه هو، لماذا لا تذكر ديانة أو أيديولوجية هذه الجماعات، كما يحدث مع العرب والمسلمين حين تتحدث عنهم ألسنة السياسيين والإعلاميين؟
لماذا لا نسمع عن إرهاب مسيحي أو يهودي أو شيوعي، في وقت يضج فيه العالم بالحديث عن الإرهاب الإسلامي؟!
إن الإرهاب الذي يشيع باسم الإسلام اليوم، ليس هو الوارد في القرآن الكريم. ففي حين تحدثت الآيات الكريمة عن رد العدوان أو ما يعرف بتوازن القوة، يستخدم مصطلح الإرهاب اليوم للحديث عن التخويف وزعزعة الأمن والإفساد في الأرض.
وهذا ما يناقض روح الشريعة ومقاصدها، فقد أكد الإسلام حرية الاعتقاد، ويرفض استخدام القوة لمبررات تبشيرية ؟لا إكراه في الدين؟ (البقرة: ؟؟؟)، والعدل والإنصاف مع أعدائنا والمخالفين لنا، ؟يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط، ولا يجرمنكم شنآن قوم على إلا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى، واتقوا الله، إن الله خبير بما تعملون؟ (المائدة: ؟)، كما أكدت قيم التسامح والرحمة ؟وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين؟ (الأنبياء: 107).
من يناقض هذه القيم والمبادئ باسم الإرهاب، يعيش حتماً تشويشاً وخللاً في العقول والضمائر. يقول المصطفى الأمين صلى الله عليه وسلم: {يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم، وقيامه إلى قيامهم وقراءته إلى قراءتهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم}.
فلم يفهم هؤلاء القرآن بشكل صحيح وبأنه قد منع الإرهاب بكل أشكاله، ابتداءً من العنف الكلامي الذي نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم وطلب من المسلمين الالتزام بالرفق واللين والكلمة الطيبة، وصولاً إلى القتل وهو أشد أنواع الاعتداء ؟من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا؟ (المائدة:؟؟).
لقد حرم الإسلام جميع أنواع الإرهاب وأشكاله وممارساته، واعتبرها ضمن جريمة الحرابة، أينما وقعت وأياً كان مرتكبوها، فقد يكون الإرهاب من دولة أو دول على دول أخرى. إن المتفحص لآيات القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، سيلمس حرصا منقطع النظير على سلامة الإنسان وأمنه، حتى إن الرسول، صلى الله عليه وسلم، قال:
{من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى ينتهي، وإن كان أخاه لأبيه وأمه} (رواه مسلم)، وقال {من أخاف مؤمنا كان حقا على الله إلا يؤمنه من فزع يوم القيامة}، وروى أبو داوود أن بعض الصحابة كان يسير مع النبي صلى الله عليه وسلم فنام رجل منهم، فانطلق بعضهم إلى حبل معه فأخذه ففزع، فقال صلى الله عليه وسلم {لا يحل لمسلم أن يروع مسلما}، وفي حديث رواه الترمذي بسند حسن {لا يأخذنّ أحدكم متاع أخيه لاعبا أو جادا}، وفي حديث رواه البزار والطبراني وغيرهما عن عامر بن ربيعة، أن رجلا أخذ نعل رجل فغيبها وهو يمزح، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
{لا تروعوا المسلم فإن روعة المسلم ظلم عظيم}. بل إن النظرة المخيفة نهى عنها الحديث الذي رواه الطبراني {من نظر إلى مسلم نظرة يخيفه بها بغير حق، أخافه الله يوم القيامة}. وبخصوص الإرهاب بالسلاح جاء الحديث الذي رواه البخاري ومسلم {لا يشر أحدكم إلى أخيه بالسلاح فإنه لا يدري لعل الشيطان يترع في يده فيقع في حفرة النار}.
بالنظر لما سبق من النصوص، يتبين لنا مدى تأكيد الإسلام وحرصه على عدم التعرض لأمن المسلم، فكيف بمن يفجر ويفتك بالمسلمين ويخل بأمنهم وسلامتهم؟ أين هؤلاء من روح الشريعة السمحاء؟!
التعليقات