ناصر الحجيلان

ضمن الحملة التي ينظمها مجموعة من أنصار حميدان التركي لإطلاق سراحه من السجون الأمريكية، ظهر الأسبوع الماضي فيلم قصير مدته بحدود خمس دقائق بعنوان: quot;أوباما أطلق حميدانquot;، وهو نفس عنوان الموقع الإلكتروني المخصص لقضية حميدان التركي الذي يتضافر مع موقعين آخرين أحدهما على الفيس بوك، والآخر على تويتر.

وقد ضمّ الفيلم شخصيتين دينيتين لهما مكانة في السعودية هما الشيخ سلمان العودة، والشيخ حسن الصفار، كما ضمّ شخصيات إعلامية مشهورة مثل الأستاذين: تركي الدخيل ونجيب الزامل، وشخصية رياضية للّلاعب صفوق التمياط الذي ظهر بالثوب السعودي وليس بالزيّ الرياضي. ولم يضم الفيلم من أسرته سوى إحدى بناته، في حين غاب بقية أفراد الأسرة، فلم يظهر ابنه وبقية بناته وزوجته، ولم يظهر أيّ من أصدقائه أو زملائه.

وقد ركّز المشاركون على ذكر اسم quot;حسينquot; والد باراك أوباما، وقد تكرر ذلك عددًا من المرات، فيما يُوحي بالرغبة في تذكيره بأصوله الإسلامية، مع أنّ أوباما يواجه حملة يقودها مناهضوه لمحاولة إثبات أنه يخفي ديانته الإسلامية. وهو نفسه يتحاشى الدخول في جدل حول ما يُشاع بأنه مسلم قضى شطرًا من حياته في أندونيسيا وتلّقى تعليمه الأوّلي في مدارسها. ومن هنا، فإن الإصرار على تكرار كلمة quot;حسينquot;، يجعل الفيلم ينحو -بقصد أو دون قصد- تجاه إحراج الرئيس الأمريكي من خلال استغلال تعاطفه مع المسلمين بتكرار هذا الاسم العربي والديني وجعله محورًا أساسيًا يلفت انتباه من يُتابع هذا الفيلم القصير. وربما يجلب هذا التكرار ردّة فعل سلبية عند الرئيس، فيمتنع لا شعوريًا من التعاطف المطلوب لكي لايكون تعاطفه برهانًا آخر على إسلامه. وكنت أتمنى لو اقتصر توجيه الكلام على استخدام عبارة quot;السيد الرئيسquot;، فهذه الطريقة ربما يكون أكثر مناسبة للموقف.

من الضروري أن نأخذ الأمور بجدّية فائقة، فكل كلمة تقال، وطريقة الأداء، وكل حركة بما في ذلك الخلفيات والديكور وأماكن الصور والموسيقى، يجب أن يُراعى فيها المتلقي وظروفه النفسية وحالته الثقافية لكي يُحقق الفيلم هدفه في إقناع صنّاع القرار والمستشارين لدى الرئيس الأمريكي، وإقناع أوباما نفسه لكي يمضي قدمًا في تحمّل تبعات قراره ويدافع عنه بقوّة وحزم مثلما فعل مع قضية بناء مسجد في مكان برجي مركز التجارة العالمي بنيويورك الذي يعارضه كثير من الأمريكيين وعدد من المسلمين.

ولكن من الواضح أن الفيلم موجه للمسلمين وليس إلى الشعب الأمريكي، لأنه تضمّن ما يمكن أن يستفز المشاهد الأمريكي ويبعث على روح دفاعية تضرّ قضية حميدان التركي. فالشعب الأمريكي ينظر إلى رجال الدين نظرة تختلف عن نظرة السعوديين، ومستوى قبول خطابهم يكون مناسبًا إذا كان ضمن مجموعة خطابات دينية وغير دينية. كما أن اختيار الرسالة التي بعثها التركي إلى والدته لم يكن موفقًا لأسباب كثيرة منها أن رؤية الشعب الأمريكي للرجل الذي يحنّ إلى أمّه ويتمسك بها ينظر إليه على أنه يفعل ذلك على حساب زوجته وأطفاله، وهي رؤية تختلف عن رؤية المسلمين. فهناك احتقار لهذا الصنف من الرجال الذي يشعرون تجاهه بأنه لايزال طفلا يحنّ إلى حليب أمه، وربما يعتقدون أن لديه سلوكًا غير مقبول وفق نظام الأسرة الأمريكي. ولأن الفيلم لم يعرض سوى تلك الرسالة، فإن الذهن ينصرف على أنه لم يرسل لأطفاله ولا لزوجته. وسيكون الأمر مختلفًا فيما لو قُرئت رسالة منه لأطفاله وهو يشعر بالأسى لعدم مشاركتهم في حلّ الواجبات المدرسية، أو اللعب معهم، أو أنه لم يتمكن من حضور حفل ميلاد أحدهم، أو أنه كان يأمل حضور حفل نجاحهم.. إلخ. أو قُرئت رسالته إلى زوجته التي يكنّ لها مشاعر الحب والحنان الجارف كلما غابت عليه الشمس وهو بعيد عنها، ويكتب لها عن ذكرى زواجهما وتلهفه لرؤيتها، ويذكّرها بأنه فخور بها وبصمودها في الكفاح من أجله.. إلخ.

كان من المفترض أن تُظهره الرسائل على أنه إنسان بسيط لديهم الهموم العادية مثل أي إنسان يحبّ عائلته ويشفق عليهم، ويظهر للناس على أنه أب رحيم وزوج محبّ. هذه القيم تهم المتلقي الأمريكي أكثر من اهتمامهم بكونه بارًا بوالدته، مع أن هذه قيمة إسلامية عالية في ثقافتنا. ولأن الفيلم ليس موجهًا لنا، فلابد من مراعاة ظروف المتلقي الأمريكي وثقافته.

وممّا يمكن عمله لإنجاح الفيلم، استقطاب شخصيات عالمية من المتعاطفين مع قضايانا من المشاهير من الفنانين والأدباء والممثلين والعلماء من دول غربية، ولو أمكن الحصول على طلب من البابا ليدعم موقف رجال الدين، لساعد ذلك في نجاح الفيلم. إن اللقطات التي تجمع التركي مع أطفاله وعائلته وصورهم في المنزل أو في الملعب أو في الحديقة أو في باص المدرسة أقوى أثرًا من لقطات في مكتب فاخر أو خلف لوحة جامدة. وإن حديث أطفاله ورسومهم الفنية على الورق أو كتاباتهم عن والدهم ذات تأثير على المتلقي. ويمكن الحصول على حديث لزملائه في الجامعة الأمريكية وأساتذته أو لزملائه في العمل هناك من الرجال والنساء، يتذكرونه فيها في مواقف مختلفة بما يكشف عن شخصيته الإنسانية. كما يلزم الحذر في اختيار موسيقى غير مألوفة أو أصوات غريبة تكون خلفية للفيلم.

جدير بالذكر أن الملاحظات السابقة لا تُقلل من جهد القائمين على الفيلم والمشاركين فيه، ولكن الهدف هو أن نصل إلى أقصى درجات الإتقان لأيّ عمل نريد له النجاح، لكيلا نُكرر الفشل الذي مُني به فريق الدفاع عن التركي من قبل. وسبق أن كُتب في هذه الزاوية عدد من المقالات عن هذه القضية، منها ما نشر في 6 يوليو 2006م وتوقعت فيها فشل المحامي في كسب الاستئناف لأنه لم يفلح في إقناع التركي بالتخلي عن إبراز نفسه بطريقة سعودية لهيئة محلفين أمريكية. واقتراحت تغيير فريق الدفاع قبل صدور حكم الاستئناف لعله ينجح في الكشف بشكل جلي أن التركي ضحية سوء فهم ثقافي، لكن ذلك لم يحصل. ومع صدق العناية العاطفية التي حظيت بها قضية حميدان التركي، فإني آمل أن تنال عناية عمليّة يبذل فيها جهد جبّار لكي تؤدي إلى إخلاء سبيله قريبًا بإذن الله.