حسن المصطفى

لم تعد المنابر على الأرض، ولا روادها يجلسون في زواياهم، في هذه المدينة أو تلك، فهم باتوا اليوم يعتلون منبر quot;الفضاءquot;، لتزدحم بهم سماء المشاهدين العرب.
ما إن تقلّب بصرك بين المحطات الفضائية، إلا وتلحظ نموّا مطردا في القنوات الدينية، نموا له إيجابياته القليلة، إلا أن السلبيات التي تعممها تفوق الخير المرتجى منها، والسبب بسيط للغاية، أن كثيراً ممن ركب موجة البث الفضائي، لم يكلف نفسه شيئا من العلم، أو الدراسة، أو التخطيط المسبق، مكتفيا بتسجيل خطبة في هذا المسجد، أو محاضرة في تلك القاعة، أو الإتيان بواعظ إلى الأستوديو، ليطل على الملايين، بذات الخطاب الذي يطل به على بِضعِ عشرات من أهل قريته، أو مئات من بني مدينته!.
هو السباق والتنافس المحموم بين تيارات دينية ومذاهب وأفكار، على quot;القبضquot; على الفضاء ومحاولة تعميم ما يرونه quot;حقيقة مطلقةquot;، لعلهم - كما يتصورون - يهدون هذه البشرية ويخرجونها من الظلمات إلى النور!.
الأداء بهذه الطريقة من المناكفة والمنافسة بل والدخول في ترويج مذهبي وترويج مضاد، قاد لـquot;تسميم الفضاءquot;، وتعميم روح من الكراهية والتنافر بين أتباع التيارات الدينية المختلفة. وأصحاب هذه الفضائيات، بدلا من أن يكونوا واعين لخطر ما يقومون به، أخذتهم الرغبة في الشهرة أحيانا، والحماسة الدينية تارة، والرغبة في quot;إظهار الحقquot; تارة أخرى، إلى الذهاب إلى مناطق شائكة جدا، دفعت بعض quot;المتشددينquot; إلى بذر خطاب quot;الشتائمquot; وquot;التكفيرquot;، مرسخة بذلك الصورة النمطية حول المسلمين، فيما هؤلاء المتشددون يختطفون عقول الملايين ممن يتسمرون حول هذه الشاشات، رجاء في علم، أومثوبة، أتت عليهم بشكل خاطئ!.
لستُ مع التضييق على الحريات الإعلامية. وإغلاق الفضائيات quot;الدينيةquot; لن يحل المشكلة، إلا أن وضع معايير مهنية وعلمية ومواثيق شرف إعلامي تلتزم بها هذه الفضائيات أمر في غاية الأهيمة، يجب أن يتم العمل عليه بشكل حثيث، ويكون متضمنا اشتراطات لنوعية الضيوف القادمين، كونهم ينطقون باسم quot;الدينquot;، لذا يجب أن يكونوا من أهل العقل والاتزان، وبعيدين كل البعد عن الخطابات التحريضية التي لن تقود إلا لمزيد من التخلف والتخندق.