عبد الوهاب بدرخان

أطلق الإعلام، لاسيما الغربي، العنان بحثاً عن صدى عربي للحدث التونسي أو أي تمثُّلٍ به. كان يريد ثورة أخرى، تالية، الآن الآن وليس غداً، كأن الأمر يتعلق بمجرد ضغط على الأزرار. وفي رصده لردود الفعل من جانب الحكومات العربية لم يلتفت كثيراً إلى رد الفعل الإسرائيلي، فالرئيس الذي فقد حكمه ورحل كان quot;صديقاًquot; بحسب بعض التصريحات والكتابات في إسرائيل. ولذلك لم تخفِ الأوساط الحكومية وجومها وتخوفها من المرحلة المقبلة في تونس. ومن يقرأ بين السطور لن يجد عناءً في اكتشاف مصدر الانزعاج الإسرائيلي، فهو ليس انتهاء حكم زين العابدين بن علي، ولا الاضطرار إلى سحب بضعة سياح بعد القلق عليهم، وإنما المزعج أن ما حصل كان بفعل فاعل: الشعب.

إذن، فلا يزال هذا ممكناً في العالم العربي، وإذا كان كذلك يجدر القلق. كان الاستنتاج الذي توصل إليه نتنياهو بسرعة أن quot;علينا التمسك بمبادئ السلام والأمن في أي اتفاق نتوصل إلى إبرامهquot;. هو يقصد ضرورة تلازم متطلبات السلام مع متطلبات الأمن. وهو يتناسى أن إسرائيل توقفت منذ زمن عن البحث في أي مبادئ سلام واكتفت حتى الآن بفرض شروط الأمن. ثم إنه يتحدث عن quot;أي اتفاقquot; مع علمه بأن حكومته انتخبت أساساً لتعمل على استبعاد أي اتفاق محتمل. وكان نتنياهو هو من قال إن المنطقة التي نعيش فيها quot;غير مستقرةquot;، لذا تلقى اللوم من بعض المنتقدين الذين عابوا عليه أن يكون هذا فقط ما رآه في quot;ثورة الياسمينquot;، إذ طالما أنه quot;يعيشquot; في المنطقة فقد كان عليه أن يحترم إرادة الشعب التونسي. غير أن نتنياهو من أولئك الذين يعتبرون أن مشكلة إسرائيل لم تعد الحكومات بل مع الشعوب.





ثمة quot;عبقريquot; آخر في حكومة إسرائيل، إنه الوزير المفوّه المدعو سيلفان شالوم، الذي يتمنى لو يسعفه الإعلام فيصوّره على أنه في أقصى اليمين على يمين ليبرمان، خصوصاً أن الاثنين يتنافسان على من هو الأسوأ كوزير للخارجية. قال سيلفان إن ما يحدث في تونس وفي لبنان وفي السودان شؤون داخلية ولا علاقة لها بالنزاع العربي- الإسرائيلي، وبالتالي فهذا ينهي المقولة الخاطئة بأن هذا النزاع quot;سبب اللااستقرارquot; في الشرق الأوسط.

لم يتبق سوى أن يقول سيلفان إن ذلك النزاع مصدر استقرار للمنطقة، وينبغي أن نشكر إسرائيل عليه. عدا أن الدرس الذي استخلصه متهافت ومتسرّع، فإن أحداً لم يربط انتفاضة العيش الكريم في تونس بالصراع مع إسرائيل. لكن ما يرفض نتنياهو وشالوم وسواهما الاعتراف به هو ما يقوله لهم الأميركيون والأوروبيون وبعض العرب بأن إنهاء الصراع يساهم بالتأكيد في إشاعة الاستقرار في المنطقة.

من خارج الحكومة حاول بعض الكُتاب والمعلقين التعاطي مع ثورة تونس بمعطياتها الموضوعية، لكنهم مثل سواهم ظلوا مهووسين بتداعياتها المحتملة في بلدان عربية أخرى. ويفهم من أحد المحللين الحكوميين أن أخطر ما في تلك الثورة أنها تنذر بانتخابات حرة ونزيهة، وباحتمال قيام نظام ديمقراطي، بل حتى باحتمال أن تشهد تونس صعوداً للإسلاميين الذين ربما يعطون نموذجاً عربيّاً أول من نوعه في تعزيز الديمقراطية، تماماً على غرار النموذج التركي. ولأن المحلل أعدّ دراسته للحكومة فإنه عرض أيضاً الأسباب التي يجب التنبه إليها، ومنها أن الإعلام بوسائله الحديثة من فضائيات وإنترنت لايبدو أنه جيد لإسرائيل في المنطقة.

وهكذا تكتمل الصورة: فإسرائيل لا تكترث للاستقرار بل تعيش على الاضطراب، لا تثق بالشعوب ويهمها أن تقمع إرادتها، ولا ترتاح لأي اتجاه ديمقراطي لأنه سيعمل في رأيها على شرعنة الإسلام السياسي، فلا الديقراطيون مرغوب فيهم ولا الإسلاميون مقبولون، ولا الحكومات تبرهن على قدرات خارقة، ومع ذلك تطمح إسرائيل إلى الأمن من دون سلام