منصور الجمري

السؤال الذي يتبادر لذهن قارئ عنوان مقال اليوم: laquo;ما هو إعلان صنعاء؟raquo;، لأن هناك العشرات وربما المئات من الإعلانات التي تُعلَن وتُنسى بعد فترة وجيزة من إعلانها. ولكن هناك ربط بين ما يُسمى بـ laquo;إعلان صنعاءraquo; وما يحدث في بلداننا بصورة عامة.

laquo;إعلان صنعاءraquo; صدر بتاريخ 12 يناير/ كانون الثاني 2004 في ذروة التبشير بحلول عهد الحريات والديمقراطية في العالم العربي، وبعد إعلان الرئيس جورج دبليو بوش عن أجندة الحرية، وبعد دخول الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (نادي الأغنياء) على خط مساندة هذه الأجندة التي بشّرت بـ laquo;شرق أوسط كبيرraquo; ينعم بالديمقراطية وحقوق الإنسان.

وافقت الحكومة اليمنية على احتضان اجتماع في مطلع 2004 (قبل الإعلان بستة أشهر عن فكرة laquo;منتدى المستقبلraquo; من قبل مجموعة الدول الثماني) لتأكيد laquo;ثبات وتَجَذُّر مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسانraquo;، و laquo;إعلان صنعاءraquo; كان بمثابة إعلان مبادئ بين عدد غير قليل من الدول والمنظمات غير الحكومية في منطقتنا المأزومة بالاستبداد، وكان الإعلان برعاية ومشاركة laquo;الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركيةraquo;.

وجاء في ديباجة البيان أنه التأم laquo;المؤتمر الحكومي الإقليمي حول الديمقراطية وحقوق الإنسان ودور المحكمة الجنائية الدولية، في العاصمة اليمنية (صنعاء)، يومي 11 - 12 يناير 2004 بمشاركة وفود حكومية وبرلمانية من الدول العربية ودول الجوار الإفريقية والآسيوية، والذي نظمته حكومة الجمهورية اليمنية بالتعاون مع منظمة laquo;لا سلام بدون عدالةraquo;، وقد شارك في المؤتمر 820 مشاركاً ومشاركة من 52 دولة، وعدد من المنظمات الإقليمية والدولية بالإضافة إلى العشرات من ممثلي منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية... وقد شكل المؤتمر ملتقى لممثلي الحكومات والمجالس التشريعية وأجهزة القضاء للتداول في قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان ودور المجتمع المدني وسلطة القانون في دعمهما وحمايتهما ودور المحكمة الجنائية الدولية، وفي حوار بنّاء يدفع بالديمقراطية قدماً ويعزز حماية حقوق الإنسان في دول المنطقة العربية ودول الجوار، ويُظهر الإنجازات التي حققتها الدول المشاركة في هذين المضمارين انطلاقاً من قناعتهم الذاتية وبما يتوافق مع أوضاعهم الاجتماعية والثقافية وتراثهم الحضاري وممارستهم السياسيةraquo;.

بعد الإعلان عن تلك المبادئ والالتزامات بين ممثلي دول المنطقة ومجتمعها المدني (برعاية أوروبا وأميركا) دخلت المنطقة عهداً جديداً من استبداد laquo;الدولة الأمنية - الشموليةraquo;، التي مثلت تونس laquo;القمةraquo; في هذا المجال، إذ تظهر احترامها للمبادئ، ولكنها تلغي وتحارب بصورة فعلية - على واقع الأرض - كل المبادئ والتعهدات.

وعليه، يمكن اعتبار ثورة تونس بأنها أول تفعيل على الأرض لـ laquo;إعلان صنعاءraquo; الذي شاركت فيه كثير من دول المنطقة من أجل ركوب الموجة، وتحدثت من خلاله عن أن مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان تُعتبر كلاً لا يتجزأ، وأن النظام الديمقراطي يكفل حماية الحقوق والمصالح للجميع بدون تمييز وبصفة خاصة حقوق ومصالح تلك الفئات الضعيفة والمهمشة والمعرضة للإقصاء، وأن الديمقراطية لا تتحقق إلا بوجود المؤسسات والقوانين وبالممارسة العملية للسلوك الديمقراطي في الواقع وعلى مختلف المستويات وتقاس بدرجة تطبيق أسسها ومعاييرها وقيمها وبمدى تمثلها واحترامها لمبادئ حقوق الإنسان، وأن من أساسيات النظام الديمقراطي وجود هيئات تشريعية منتخبة دورياً تمثل المواطنين تمثيلاً عادلاً وتحقق المشاركة الشعبية وهيئات تنفيذية مسئولة وملتزمة بقواعد الحكم (الصالح) الرشيد، وسلطات قضائية مستقلة تضمن عدالة المحاكمات وتحمي الحقوق والحريات وتردع المعتدين... إلى آخر ما جاء في البيان الذي اختتم بعشرة تعهدات حكومية للعمل الجاد على تطبيق المبادئ والأسس المذكورة في laquo;بيان صنعاءraquo;.

ما حدث على الأرض، أن الحكومات - بصورة عامة - عملت على إلغاء كل المبادئ ولم توف بالتعهدات التي تحدثت عنها، ولم يرَ المواطن العربي سوى المزيد من القمع والقهر السياسي والحرمان من التنمية الفعلية، مع صعود ملحوظ في العنجهيات الحكومية والغرور وعرض العضلات على المجتمع المطالب بحقوقه. ولذا جاءت ثورة تونس لتقول laquo;كفى نفاقاًraquo;، ولتؤكد أنه آن الأوان لتفعيل ولو جزء يسير من تلك التعهدات والمواثيق والإعلانات التي تتغنى بها دول المنطقة.