أمل زاهد

مؤلمٌ حد الفجيعة وموجعٌ حد الذهول ما حدث لجدة العروس المنكوبة في ثاني أربعاء أسود يعمل نصله في جسدها الجريح لسنتين على التوالي! جدة تئن وتتوجع وتستعيد من جديد ذكريات أربعائها الأسود الماضي، وصور موتاها وضحاياها الذين لم تجف دماؤهم، ولم تهدأ أحزان ذويهم بعد على أرواحهم المهدورة! تتكرر الصورة ويُعاد المشهد من جديد، وكلاكيت ثاني مرة.. ولكن اليوم ليس شبيها ـ أبدا ـ بالبارحة، فالوضع أكثر مأساوية والصورة أشد قتامة.. كيف لا، وكل شيء حولنا يقول إن الشق أكبر من الرقعة! كيف لا وكل شيء حولنا يقول إننا لم نتعلم من درس الأمس القريب الدامي التفاصيل، وتركنا الفساد يصول ويجول ويسوّف ويؤخر في إنجاز المشاريع لتتكرر الكارثة من جديد! أجراس الإنذار وطبوله التي قرعتها مآسي المطر العام الماضي حتى أصمت آذاننا، لم توقظ ضميرا ميتا ولا أحيت شعورا غافيا بالمسؤولية! وبقيت البنية التحتية لجدة على ما هي عليه من الهشاشة والسوء والضعف المخجل، حتى أقبل الأربعاء الأسود الجديد ليكشف المزيد والمزيد من العوار والمآسي! هاهي الصور والفواجع تعيد إنتاج نفسها واستنساخ أوجاعها وتفاصيلها.
حقيقة، أشعر اليوم أن قلمي مصاب بالشلل والخرس والعجز التام عن التعبير عما يختلج في صدري، وأنا أتابع أخبار جدة المنكوبة والأهل والأصدقاء فيها واستعرض أحداث الأربعاء المفجع الجديد! طبيبة محتجزة في مستشفاها وزوجها حبيس مكان عمله، بينما يبكي طفلهما بانتظار والدين لم يعودا لأخذه من حضانته.. طالبات محتجزات في جامعة الملك عبدالعزيز خائفات مذعورات، وقريبة لي تعمل بالجامعة تحكي قصة خروجها وزميلاتها بأعجوبة بعد حدوث تماس كهربائي وحريق في المبنى، ثم لجوئهن إلى بيت زميلة لهن بالقرب من الجامعة! على الفيس بوك التقطت صرخة الزميلة العزيزة (حليمة مظفر) التي احتجزتها المأساة في مكتبها هي ومجموعة من زملائها، لأحاول التواصل معها فتطمئنني بين حين وآخر برسالة، حتى وهبها الله تعالى السلامة ظهر الخميس!
علامات استفهام كثيرة وأسئلة حائرة لا تزال تعصف بنا جميعا كمواطنين.. لماذا لم يتم تحذير أهالي جدة بطريقة تناسب الحدث الجلل والأوضاع الخطيرة؟! لماذا لم تعلق التربية والتعليم المدارس حماية للطلاب والطالبات؟! لماذا أصمت جامعة الملك عبدالعزيز أذنيها عن تحذيرات الأرصاد، وعرضت الطالبات والموظفات لأخطار الاحتجاز؟! ولماذا تظل قنواتنا التلفزيونية الرسمية دون مستوى الحدث، لنحاول تسقط الأخبار من هنا وهناك في دهاليز الإنترنت أو على نوافذ القنوات الفضائية الخاصة؟!
نعم، 110 ملم من الأمطار نسبة عالية، ولكن أمثالها تسقط كل يوم ثم لا تجد لها أثرا في كثير من بقاع الأرض، فلماذا تتحول إلى كارثة في جدة؟!