محمد بن عبداللطيف آل الشيخ
زفت إلينا صحيفة عكاظ خبراً مفاده أن أحد كبار السوبر ماركت الشهيرة في مدينة جدة بدأ بالفعل في تشغيل المرأة (كاشيرة)، أي محاسبة لزبائن السوبر ماركت. هذه المبادرة الوطنية (الجريئة) سيسجلها التاريخ لهذه المنشأة التجارية بأحرف من نور بلا شك.
العمل والإنتاج ليس حكراً على الرجال منذ أن عرف الإنسان العمل. غير أن بعض من يريدون أن يعيدوا صياغة التاريخ، فضلاً عن الفقه الشرعي، بما يتناسب مع عاداتهم وتقاليدهم، وربما مع عدم ثقتهم في نسائهم، ابتكروا أحكاماً ما أنزل الله بها من سلطان. وبسبب هذه الأحكام التي لم يعرفها التاريخ، فضلاً عن الفقه الشرعي، شاعت البطالة بين النساء، حتى وصلت كما تقول إحصائيات وزارة العمل في المملكة إلى ما يزيد عن 28%، وبمعدل زيادة سنوية -إذا تركت هذه النسبة تتفاقم دون حل- قد تصل إلى 1.5% سنوياً.
لكي نحاصر بطالة المرأة، ونحد من تفشيها، يجب أن نبدأ بتوسيع الفرص، ونعمل على إيجاد الوسائل العملية، التي من شأنها محاصرة البطالة، آخذين بعين الاعتبار تجارب الدول المعاصرة في حلول مشكلة البطالة، التي لا يكاد يخلو اقتصاد معاصر منها.
في كل اقتصاديات دول العالم تشكل (تجارة التجزئة) والخدمات، وكذلك الأعمال التجارية الصغيرة ما يربوا على 70% من الأيدي العاملة في الاقتصاد. وما تبقى من هذه النسبة تتوزع على مجالات العمل الأخرى. حلول مشكلة البطالة لا يمكن، وبأي حال من الأحوال، إلا أن تمر من خلال هذه المجالات. وعندما تمنع المرأة من المجال الأوسع للعمل، أعني تحديداً العمل في تجارة التجزئة والخدمات والأعمال الصغيرة، فسوف تجني حتماً بطالة نسائية تتفاقم وتزيد مع مرور الوقت، وقد تصل إلى تفجير المجتمع والمس بأمنه واستقراره، فالجوع هو محرك جميع الاضطرابات السياسية والاجتماعية الأول، فضلاً عن أنه سبب رئيس لتفشي الفساد الأخلاقي وخاصة ظاهرة الدعارة تحديداً. ودع عنك تلك المقولة التي تناقض الواقع، ويرددها البعض: (تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها)؛ فالإنسان إذا جاع سيبحث عن أي مصدر يسد به رمقه، والجائع لن يسأل عن حِل وحُرمة هذا المصدر، وغني عن القول إن المرأة ليست خارج هذه المعادلة بالطبع.
أن تعالج أي مشكلة يجب أن تبدأ من مسبباتها، وعندما (تقفز) على هذه المسببات وتتجاوزها، فأنت لا تزيد المشكلة إلا تفاقماً، ولا تضيف للطين إلا بللا.
وحسب الإحصائيات الرسمية التي صدرت مؤخراً فإن (السعوديين) من سكان المملكة حوالي تسعة عشر مليوناً، نصفهم من النساء، وجُلَّ هؤلاء (الآن) من ذوات الأعمار الصغيرة في مرحلة التعليم، وسيأتي يوم ينضممن فيه إلى طوابير الباحثات عن عمل. سؤالي: هل (الفرص) المتاحة لعمل المرأة يمكن أن تستوعب هذا السيل القادم من الأيدي النسائية المتعلمة التي ستبحث عن عمل؟.. طبعاً لا، إذن فلا حل أمامنا إلا تجاوز محاذير البعض -على افتراض أن ثمة محاذير- وفتح الباب للمرأة للعمل في المهن التي كانت مُحرَّمة عليها في السابق مثلها مثل بقية نساء دول العالم، ومن لديه حل آخر من إخواننا (المتشددين) فليقدمه، أما (الخراط الفاضي) فلا يحل مشكلة، ولا ينقذ اقتصاداً تحاصره البطالة من كل جانب، ولا يبني تنمية.
لذلك أتمنى من كل قلبي أن تُعمم هذه التجربة في بقية مدن المملكة، وألا يتوقف السماح للمرأة بالعمل في مهنة (الكاشير) فقط، وإنما يجب أن تشمل مهام البيع والتسويق أيضاً.
التعليقات