جاء الفوز الحاسم لدونالد ترامب، في الخامس من نوفمبر، بمثابة صدمة لكثير من النخبة السياسية الأميركية. صحيح أن استطلاعات الرأي ظلت متقاربة حتى يوم الانتخابات، غير أنه كانت هناك ثقة في قدرة هاريس على الفوز نظراً للحماس الكبير لترشحها، مقابل التصريحات القاتمة وغير المنسجمة التي صدرت عن ترامب في الأيام الأخيرة من حملته الانتخابية. والأكيد أن الأسابيع المقبلة ستكون حبلى بمظاهر الفرح والابتهاج في الأوساط «الجمهورية».

البعض من أكثر أنصار ترامب ولاءً يعتقدون أن فوزه كان «مشيئة إلهية»، لا سيما بالنظر إلى أنه كان قاب قوسين أو أدنى من الموت في حادث إطلاق النار في بنسلفانيا يوم 13 يوليو 2024. هذا في حين سيقول آخرون إنهم كانوا محقين في التركيز على غضب الأميركيين وهمومهم، وخاصة أولئك الأكثر تضرراً من التضخم وارتفاع أسعار المواد الغذائية في الأشهر الأولى من عام الانتخابات. كما فهموا بشكل صحيح أن الهجرة الجماعية غير الشرعية وحالة التسيب والانفلات الأمني في العديد من المدن الأميركية كانت على رأس قائمة شكاواهم من إدارة بايدن.

عدد من الزعماء الأجانب سيحتفون بفوز ترامب، ولا سيما فلاديمير بوتين وفيكتور أوربان وبنيامين نتنياهو، لكن بالنسبة للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، تبدو الآفاق قاتمة، لأن كلاً من ترامب ونائبه جيه دي فانس سبق لهما أن قالا، بطرق مختلفة، إن المساعدات الأميركية لأوكرانيا يجب أن تتوقف، وإنه يجب تنفيذ وقف إطلاق النار مع روسيا. لكن المشكلة الوحيدة هي أن معظم الحلفاء في «الناتو» وجزءاً كبيراً من مؤيدي ترامب التقليديين هم من أشد المؤيدين لحلف الناتو ومهمة إنقاذ أوكرانيا.

نتنياهو لن يكون تحت قيود في عهد ترامب، غير أن بايدن وهاريس قد يستغلا الأسابيع الأخيرة في منصبهما للضغط عليه من أجل تقديم تنازلات لوقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن. ويمكن أن يقطعا إمدادات الأسلحة إن أرادا إظهار رفضهما لسياساته.

النتيجة السياسية الفورية بالنسبة لـ«الديمقراطيين» ستكون تقييماً حزيناً ومريراً لما حدث من أخطاء. وفي النهاية، سيكون هناك تنافس على قيادة الحزب. وإذا أرادت كامالا هاريس أن تظل زعيمة الحزب، فسيتعين عليها أن تكيّف نهجَها تجاه القضايا الاقتصادية بشكل جذري. ويمكن القول إن خسارتَها أمام ترامب كانت مريرة بشكل خاص لأنها المرأة الثانية التي تسقط على يديه انتخابياً، والحقيقة هي أن حملة هذه الانتخابات كانت الأكثر عنصرية منذ الستينيات.

النتائج الكاملة للانتخابات لن تُعرف قبل عدة أسابيع نظراً لتقارب السباقات الانتخابية على مجلس النواب عبر أرجاء البلاد. واعتباراً من اليوم، سيسيطر الجمهوريون على مجلس الشيوخ، لكن الديمقراطيين قد يفوزون بمجلس النواب. وحتى الآن، اتسمت إدارة الانتخابات في كل ولاية بالتنظيم الجيد، ولم يتم الإبلاغ سوى عن حالات قليلة من الترهيب والتعطيل. وفي هذا الصدد يمكن القول إن المؤسسات التي تضمن عملية ديمقراطية آمنة ومأمونة كانت في مستوى التوقعات. أما لو كانت النتائج قد سارت في الاتجاه المعاكس، فيعتقد الكثيرون أن جمهوريين متشددين ربما كانوا سيضعون بعض العقبات أمام انتقال سلمي للسلطة كما حدث في 2020 ويناير 2021.

والسؤال الأكبر الآن هو ما إن كان دونالد ترامب سيبدي أي مؤشر على أن آراءه حول أميركا قد تغيّرت، وأن لديه فرصة، إن أراد، للحكم من أجل جميع أفراد الشعب الأميركي، أم سنشهد عمليات ترحيل جماعي للمهاجرين غير الشرعيين، ومواجهات مع المكسيك والصين، وعمليات انتقام من خصومه الديمقراطيين! والأهم من ذلك كله، هل سيستخدم وزارة العدل كسلاح ويقدّم حججاً متماسكة ومقنعة للقيام بذلك؟ الواقع أنه في الأيام الأخيرة من هذه الحملة، ظهرت على ترامب أمارات السن، وقد تزداد مع تقدمه في العمر. وهنا يثور السؤال: ما مقدار السلطة التي سيوكلها إلى نائبه جي دي فانس الذي يتمتع بالشباب والقدرة والوضوح في التعبير، والذي يعد أكثر تشدداً من ترامب نفسه في بعض النواحي؟ هذا السؤال وغيره سيكون محل بحث ونقاش في الأسابيع القادمة.