التطوراتُ الأخيرةُ في الحرب المتواصلة منذ شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2023 في المنطقة بين إسرائيل وحركة «حماس» في قطاع غزة أولاً، ثم لاحقاً التحاق «حزب الله» اللبناني بها، تحمل مؤشرات عديدة، لعل أهمها أن حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلي بقيادة بنيامين نتنياهو لم تستطع بعد أكثر من عام وآلاف الضحايا والدمار تحقيق أهدافها العسكرية بهزيمة حركة «حماس» عسكرياً وإنهائها سياسياً، والشيء نفسه يقال عن «حزب الله» في لبنان رغم الخسائر الكبيرة التي مني بها من اغتيال قادته وتدمير ضاحيته، بالإضافة إلى الخسائر البشرية والمادية الكبيرة، أما المذبحة التي تتعرض لها غزة فليس لها مثيل. هذا أولاً.

وثانياً أن وعود نتنياهو بإنقاذ الرهائن وعودتهم إلى أهاليهم تبخرت متلاشية في الهواء، فلا هو أنقذهم من الأسر، ولا هو بقادر على حمايتهم في أسرهم بتجنيبهم ويلات الموت من القنابل والصواريخ الإسرائيلية. وثالثاً أن نتنياهو وحكومته بدلاً من تحقيق هدفهم ممثلاً في إعادة النازحين إلى قراهم وبلداتهم في الشمال، وجدوا أنفسهم، بسبب القصف الصاروخي المكثف مؤخراً، أمام أزمة نزوح سكاني جديدة في عدة مناطق ومدن أخرى.

النتائج المذكورة أعلاه، تفضي بدورها إلى استنتاج واحد لا غير، وهو أن الجلوس إلى مناضد التفاوض، يبقى الحل الممكن غير المجرب والمرفوض، وفي الوقت ذاته القادر على وضع نهاية لأزمات المنطقة. وأن سياسة دفن الرؤوس في الرمال، والتعلق بمبدأ الهروب إلى الأمام، بإشعال المزيد من الحروب والقتل والدمار ليس سوى سكب المزيد من البنزين على نار مشتعلة. وأن الطريق إلى تحقيق سلام دائم في المنطقة يمر عبر عملية قبول واقتناع بعدم جدوى الحرب لاستحالة تحقيق طرف نصر عسكري نهائي، وضرورة العمل على تجرع الدواء المُرّ، أي تقديم تنازلات، وأهمها القبول بحق العيش المشترك، مما يعني قبول إسرائيل بفشلها في القضاء على المقاومة الفلسطينية، وضرورة القبول بحق الفلسطينيين في إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة.

وهذا يعني أن إسرائيل لكي تحظى بالسلام، وتحقق ذلك الهدف، في حاجة إلى البحث عن شارل ديغول إسرائيلي، يتمكن من الوقوف ضد التيار اليميني المتطرف، وإجباره على تجرع الدواء المرفوض، أي نزع النظارات السوداء عن العيون، ورؤية الواقع من دونها. الأحداث طوال السنوات الماضية أبانت بما لا يدع مجالاً لشك أن بنيامين نتنياهو لن يكون شارل ديغول. ومهمة البحث تبدأ من الآن.

الحرب الجارية لم تقترب من نهايتها، ولا أظنني الوحيد الذي يعتقد ذلك. ودائرة الدمار تتسع كل يوم. والاحتمالات عديدة، وللأسف كلها غير مُسرّة، خصوصاً فيما يتعلق بتفاقم ارتفاع أعداد الضحايا والجرحى والمشردين والنازحين من المدنيين واتساع رقعة الدمار. والإدارة الأميركية القادمة في العام الجديد قد تكون قادرة على وضع ضغوط على حكومة كييف للقبول بالدخول في مفاوضات سلام مع روسيا ووضع نهاية للحرب. إلا أن مفاتيحها السحرية تلك لا تجدي في الشرق الأوسط، لأن إسرائيل غير أوكرانيا. ولأن الأزمة أكثر تعقيداً، وأساسها وضع ضغوط سياسية وعسكرية على قادة إسرائيل لإرغامهم على قبول التفاوض مع السلطة الفلسطينية، وبهدف الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة. الأمر الذي لا يجرؤ رئيس أميركي على التفكير فيه فما بالك بفعله.