عكس كل التوقعات والاستفتاءات والتحليلات واستطلاعات الرأي، فاز دونالد ترمب بانتخابات الرئاسة وعاد رئيساً للولايات المتحدة بعودة كاسحة لا يشبهها أحد من قبله من الرؤساء الأميركيين منذ القرن التاسع عشر.

اكتسح دونالد ترمب الانتخابات الأميركية وحقق حزبه غالبية برلمانية بمجلس الشيوخ وعزز عدد ممثليه بمجلس النواب، وهو ما سيعطيه أريحية رئاسية تطلق يده بالقرارات وتشكيل حكومته والسياسات التي ينشد اتباعها.

فاز دونالد ترمب بالأصوات الكلية وبالأصوات العامة الشعبية، وبالولايات المتأرجحة التي كان الديمقراطيون يعولون على قلبها لمصلحة مرشحتهم كامالا هاريس.
بفوزه الكاسح، وجه ترمب ضربة قاسية لليبرالية العبثية والمهووسة بقضايا خلافية لا علاقة لها بواقع المواطن الأميركي البسيط.

فاز ترمب الذي خاطب الناس مباشرة بلغة "الدولار واللقمة"، وبلغة الأمن والحفاظ على استقرار البلاد وحمايتها من فوضى الهجرات.

فاز دونالد ترمب بالولايات المتأرجحة وأهمها ميشيغان، حيث غالبية أصوات العرب والمسلمين، الذين بدأ المرشحون بالتوجه إليهم في السنوات الأخيرة ومحاولة كسب ودّهم وأصواتهم. صوّت له غالبية العرب والمسلمين بالولاية ليس لقناعتهم بأفضليته، ولكن نكاية لتآمر جو بايدن ونائبته ومساندتهم لنتنياهو بحروب إبادته لأهل غزة وشعب لبنان. صوتوا له كرهاً بمعاوية لا حباً بعلي.

انقسم الشارع العربي بين من يقول: "طلقها وخذ أختها"، وبين من يقول بأن ترمب مهما بلغ من السوء فلن يكون أسوأ من بايدن.

فاز دونالد ترمب الذي يواجه اتهامات بالعشرات من الجنايات، ووقف ضده معظم مشاهير الإعلام والسينما والموسيقى والرياضة.

كما وقف ضده المحللون والمنظرون والمؤسسة الأميركية العميقة، بل وحتى البنتاغون ومصانع السلاح التي تخشى أن يوقف الحروب بالشرق الأوسط وأوكرانيا وينهي التوترات بشرق آسيا مما يقلل من بيع السلاح وتصنيعه وتسريح آلاف مؤلفة من عمال مصانعه.

فاز دونالد ترمب لأن منافسته بدت أمام الناخب بليدة بلا شخصية مستقلة، بدت وكأنها نسخة أنثوية من رئيس خرف معزول عن واقع ومعيشة الناس اليومية، مشغول بتوافه الأمور التي لا تمت لحياة الناخب العادي بصلة.

فاز دونالد ترمب بغالبية مريحة على كل مستويات التصويت، مما يجعل الواحد يتساءل إن كان قد خسر حقاً بالانتخابات الماضية (2020) لمصلحة جو بايدن. كما يتساءل أي عاقل عن مصداقية الاستفتاءات والاستطلاعات والتحليلات التي أصبحت "خرطي بخرطي"، كما يقول أهل الخليج.

فاز دونالد ترمب، ففرح بنيامين نتنياهو، وتوجست إيران، ورقص فلاديمير بوتين، وبدأ الصينيون يراجعون حسابات الربح والخسارة والسندات وميزان التجارة.

الناتو بدأ "يقرقش مخباته". فتوتر الرئيس الأوكراني زيلينسكي. اتصل بنتنياهو الذي رد عليه بالقول: "يا من يخلّصني ويَنْشَب"!.

انتشى اليمين العالمي والشعبوية الأوروبية بفوز دونالد ترمب لما للولايات المتحدة الأميركية من تأثير على المزاج السياسي الدولي وبالذات الأوروبي منه.

فاز ترمب ولسان حال الطفل الفلسطيني المنكوب الذي يتعرض للقصف ويعيش تحت جحيم آلة الموت الإسرائيلية منذ أكثر من عام يقول: "فاز ترمب أو فازت هاريس، خير يا طير؟ بالنسبة لي هل سيوقف أي منهما هذه المذبحة المستمرة؟".

فاز ترمب بانتخابات الرئاسة الأميركية، لكنه لن يتولى مسؤوليته قبل الـ 20 من يناير (كانون الثاني) المقبل، وحتى ذلك التاريخ، فإن القرار الأميركي بيد رئيس بمرحلة "البطة العرجاء"، لكنها بطة عرجاء وهرمة خرفة هذه المرة.

والمؤسف حقاً أن لدى بنيامين نتنياهو نحو ثلاثة أشهر أخرى يستمر خلالها بالمجزرة من دون ضغوط من البطة الخرفة، جو بايدن، ومن دون صلاحية بالتدخل من الرئيس المنتخب دونالد ترمب، إن تدخّل أصلاً لوقفها.