تعتز دول العالم المتحضر بأصحاب الإسهامات الأدبية والثقافية والفكرية والإعلامية والعلمية، وترعاها وتحتويها وتحتضنها، لأنها ثروة ثمينة ربما لا تتكرر، ولذا فمن شأن وجودها أن يغني ويثري ويعطي سمعةً للبلد الذي تنتمي إليه أو تعيش على أرضه. ومن الأقوال المأثور على لسان بريطانيا خلال فترة احتلالها للهند، وكانت الأخيرة ذات أهمية استراتيجية كبيرة لـ«الإمبراطورية التي تغيب عنها الشمس» في حينه، القول الشهير: لو خيروني بين الهند وشكسبير لاخترت شكسبير.

والدول المتحضرة لا تكتفي برعاية المتميزين من أبنائها فقط، بل تفعل ذلك حتى مع الأجانب الذين يعيشون على أرضها من المبدعين والموهوبين وأصحاب الكفاءات، إذ تتيح لهم فرصَ السكن والمعاش والرعاية، والعمل الذي يليق بهم ويوفر كل احتياجاتهم واحتياجات أسرهم، ويضمن لهم الحياة الكريمة. وقوانين الهجرة في أوروبا، رغم كل الملاحظات حولها، بما في ذلك إغلاقها الأبوابَ أمام المهاجرين الأجانب، تمنح استثناءاتٍ للكفاءات المتميزة، وذلك اعتباراً لما لها من فوائد تعود على البلدان المحتضِنة نفسها، رغم كونها تعج بالكفاءات. وفي العالم العربي نجد حالات لاحتضان الأسماء الكبيرة والقامات الأدبية والإعلامية والصحفية المتميزة، كما نجد أسماءَ وقاماتٍ كثيرةً ماتت في المنفى وسط ظروف حياتية ليست مرضية. لكن هناك حالات مهمة لا بد من الإشارة لها بكل تقدير وإكبار. وعلى سبيل المثال، فقد كرّمت مصرُ الشاعرةَ العراقيةَ الكبيرة نازك الملائكة، واستقبلها الرئيس جمال عبد الناصر ومنحتها الدولة المصرية سكناً وراتباً محترمين، ووفرت لها سائقاً خاصاً ومدبِّرةً منزلية لرعايتها حتى توفيت في مصر.

وفي العراق تم تكريم العديد من الأدباء العرب، ومُنح بعضهم امتيازاتٍ مثل السكن والعمل وغير ذلك، ومنهم الشاعر الفلسطيني نواف أبو الهيجاء، والقاصة اللبنانية ديزي الأمير، والشاعر الفلسطيني أديب ناصر.. وغيرهم من الأدباء والمبدعين. وقد فعلت دولة الإمارات في هذا الباب ما لم يتجاوز ذلك بكثير، إذ استضافت وكرّمت عشرات الأدباء والمفكرين والإعلاميين العرب، ووضعتهم في أفضل الظروف المادية والمعنوية، وهم أكثر مِن أن نحيط بأسمائهم في هذا المقال القصير.

وليس غريباً ولا مفاجئاً أن يجد أهلُ الفكر والإبداع الرعايةَ والتكريم في بلاد الخير والإنسانية والعطاء، وهي التي راكمت رصيدَها الإنساني ووصل عطاؤها إلى أقصى بقاع المعمورة، مما جعلها تحظى بتقدير واحترام كل شعوب العالَم، إذ تشهد لأياديها الخيرية السخية جميع المنظمات والهيئات والمؤسسات الدولية في كل المحافل العالمية. إن سجل الإمارات الإنساني وعونها الخيري، لللاجئين والنازحين والمنكوبين والمحتاجين والمتضررين من الكوارث والحروب والنزاعات، سواء داخل العالم العربي أم خارجه، لا سيما من خلال مبادراتها المستمرة.. جعلها تتقدم على كثير من الدول الكبرى في هذا المجال. وهو مما يحسب في سجلها المرصّع بجواهر العمل النبيل، الخيري والإنساني.

نتمنى أن تهتم كل الدول العربية بكبار الأدباء والمثقفين والإعلاميين، وأن تكرّمهم وهم على قيد الحياة، خصوصاً مَن تجاوزوا منهم سنَّ الستين، أي مَن بلغوا مرحلة التقاعد دون أن يكون لهم مصدر عيش يوفر لهم حياة كريمة. إن البلد الذي يفعل ذلك سيكسب مِن ورائه سمعةً طيبةً في الأوساط الثقافية والأدبية والعلمية والإعلامية، وسيضيف إضافةً مهمة لسجل رصيده الرمزي في مجال الاهتمام بالثقافة والأدب والفكر والإعلام.. لا سيما أن الأمر يتعلق بمَن أثرَوا الساحةَ بأعمالهم وإبداعاتهم وإنجازاتهم التي ستبقى شاهداً لهم في مجال الثقافة والفكر والأدب والإعلام.