سركيس نعوم

المتابعون الموضوعيون لما يجري في سوريا لا يستبعدون، وإن نظرياً فقط، احتمال نجاح نظامها في القضاء على الانتفاضة بالقوة العسكرية وإن اسال ذلك انهاراً من الدماء. لكنهم يؤكدون ان ذلك سيحوِّل سوريا دولة مماثلة لكوريا الشمالية المعزولة تقريباً دولياً لسجلها الاسود في قضايا حقوق الانسان والحريات والديموقراطية، والضعيفة اقتصادياً الى درجة الفقر والجوع، والفاقدة التأثير في السياسات الاقليمية خلافاً للسابق. ولا يستبعد هؤلاء ايضاً، وإن نظرياً فقط، احتمال استمرار الانتفاضة السلمية مع تصاعد العمليات العسكرية تدريجاً. كما لا يستبعدون قدرة النظام على التعايش مدة طويلة مع هذا الواقع. لكنهم عملياً لا يبدون مقتنعين بهذا الاحتمال. فالانتفاضة تطاول تقريباً كل محافظات سوريا ولذلك لا يسهل التعاطي معها بكفاءة. واستمرار هذه الحال طويلاً مستحيل. إذ ليس امامها إلا الانتهاء او التطور. والانتهاء معروف. اما التطور فهو مخيف لأنه قد يكون نوعاً من الحرب الاهلية. وهناك في اوساط حليفة لسوريا ومؤيدة لحربها من منطلق أقلوي، مَن يتمنى استمرار ما يجري فيها، وإن تفاقم، سنوات طويلة وذلك كي يفرض على المنطقة التي ستتأثر به كما على العالم البحث الجدي في صيغ لحماية الاقليات. والحماية لا يمكن ان تكون في عالم quot;متخلفquot; الا التقسيم او ما يشابهه.
في اي حال نعود الى quot;الموقفquot; الصادر امس لنشير الى ان المتابعين الموضوعيين لما يجري في سوريا الاسد انفسهم لا يوافقون حلفاءها على امتلاكها اوراقاً ثمانياً، لا سبعاً كما ورد خطأ في عنوان الامس، تسمح لها بالاستمرار في سياسة المكابرة والمعاندة والمواجهة المسلّحة للانتفاضة الشعبية السلمية رغم ميل بعضها الى quot;التعسكرquot;. فروسيا الاتحادية لن تذهب الى الحرب او الى المواجهة الشاملة مع اميركا والمجتمع الدولي كرمى لعيون النظام في دمشق. وهي تحاول مساعدته، وفي الوقت نفسه تحاول من خلال التفاوض مع اميركا واوروبا حول المقابل الذي يدفعها، اذا اخذته، الى السير معهما في الموضوع السوري، او على الاقل الى التعاون معهما جدياً لإيجاد مخرج يحقق الاصلاح الجدي والفعلي في سوريا.
وروسيا هذه تخشى حالياً مصاعب مالية واقتصادية على ما ورد في إعلام الامس. وإذا كانت هذه المصاعب عند اميركا تمنعها من بلوغ اهدافها السورية، وهي القوة الاعظم عسكرياً واقتصادياً رغم مصاعبها، فإن مصاعب روسيا ستمنعها قطعاً من المغامرة. والصين الشعبية تعرف موقعها وحجمها جيداً. فهي القوة الدولية الوحيدة المؤهلة لأن تصبح قوة عظمى. لكن ذلك تلزمه سنوات طويلة وتقدم هائل في كل المجالات وثبات لاستقرار الداخل فيها. والاخير غير اكيد لأن الاستقرار المفروض بالقوة قد يتداعى اذا هبت نسائم الحرية او رياحها. وهي ليست منخرطة في مناورات مع اميركا او مواجهات في منطقة للاخيرة فيها مصالح استراتيجية كالشرق الاوسط. وكل ما يهمها هو الاعتراض حيث يجب ولكن بهدوء حيناً بالامتناع عن التصويت في مجلس الامن، وحيناً آخر بممارسة quot;الفيتوquot;، علماً انها لم تمارسه من زمان. والبرازيل وافريقيا الجنوبية والهند لم تتخذ موقفاً ايديولوجياً مؤيداً لسوريا بدليل موقفها المؤيد لمشروع القرار quot;السوريquot; الاخير في مجلس الامن رغم رفض روسيا له. وهذا مؤشر على تطور محتمل في مواقفها مستقبلاً.
اما العراق فاستمرار تنسيقه مع سوريا الاسد يرتبط بايران الاسلامية، والامر نفسه تقريباً بالنسبة الى quot;حزب اللهquot; اللبناني. وايران هذه ستبقى الوحيدة التي تساعد النظام السوري وإن تخلى عنه الجميع لاعتبارات متنوعة. لكنها، وهذه حقيقة تعرفها دمشق، لن تنتحر اذا رأت ان الاسد قرر الانتحار، ولن ترفض صفقة مع اميركا اذا أمنت لها دوراً اقليمياً مميزاً وإن كان ذلك على حساب سوريا. اما الشعب السوري فانه لا يختلف من حيث الجوهر عن الشعب اللبناني وعن الشعوب العربية الاخرى من حيث التناقض الذي تثيره العصبيات المذهبية والدينية والطائفية والقبلية. وعدم التحدث عن ذلك علناً في هذه الامور كان بسبب استقرار فرضه القمع وليس بسبب علمانية اسسها النظام. ولو كان فعل ذلك مؤسسه لربما كانت حال سوريا افضل. لكن quot;فات الميعادquot; على ذلك. وأما عدم وجود مصلحة لاسرائيل في سقوط النظام فإن هذه حجة في غير مصلحته، فضلاً عن انها لا تستطيع ان تساعده وإن ارادت ذلك، علماً انه لا يريد مساعدتها.
في اختصار سوريا النظام في وضع صعب. وسوريا الشعب المنتفض او الثائر في وضع مماثل. والمستقبل غامض، لكن لونه يميل مع الأسف الى quot;الاحمرارquot;.