شريف عبدالغني

كتبتفي أوائل أبريل الماضي مقالا عنوانه: laquo;عمرو موسى.. الطاووس المشتاق للرئاسة!raquo;، ولأن الجواب يظهر من عنوانه فأظن أني لست بحاجة للتذكير بمضمون المقال، لكني- والحق أقول- مدين باعتذار لهذا الرجل ومحبيه وهتيفته. فقد أثبت الدبلوماسي العتيد طوال الشهور الماضية أنه فعلا الأحق والأولى بالجلوس على كرسي الرئاسة المصرية، ليكون خير خلف لأسوأ سلف. ومن الآن سأنضم لحملة ترشيحه وسأجوب معه المحافظات هاتفا بعلو صوتي: laquo;يا موسى يا بلاش واحد غيره ما يلزمناشraquo;.. و laquo;عمرو جوه القلب.. وغيره عميل الغربraquo;.
ما حدث أن موقع laquo;إيلافraquo; أعاد وقتها نشر المقال نقلا عن laquo;العربraquo;. وكما هو متوقع في مثل هذه الحالات فقد هبّ وانتفض مناصروه للدفاع عنه ودحض laquo;افتراءاتيraquo;. وهؤلاء هم أساسا الصحافيون الذين كانوا يغطون نشاط الجامعة العربية في عهده ويأنس بهم أثناء مؤتمراته وتصريحاته. فقد كان يصر على حضور الجميع حوله لاكتمال صورة laquo;الطاووسraquo; المنتشي وهو يشجب ويدين ويستنكر حسب القاموس الخالد لجامعتنا العربية الأثيرة، أدام الله بقاءها وشفاها وعافاها من الزكام الذي يصيبها كلما حلت بالأمة أزمة. ولأنه كان يرد لهم laquo;المؤانسةraquo; بعشرة أمثالها ويصطحبهم معه في سفرياته الخارجية ليدفئوا جيوبهم بالبدلات، وحقائبهم بالمشتريات للمدام والأولاد.
كتب أحدهم معلقا على المقال: laquo;الحقد الدفين في قلبك تجاه الرجل واضح وباين بين كلماتكraquo;، ثم نصح موقع laquo;إيلافraquo; ألا ينشر مجددا laquo;هذا التحليل السطحي الذي لا يرقى لمستوى إيلاف.. نريد من يقدر على إيصال شيء مفيد لعقول شبابنا العربي.. انتهوا عن التافهينraquo;. وظن آخر من أصحاب الذكاء العصامي أنني قطري الجنسية- رغم أن مضمون المقال وما به من ألفاظ عامية ينضح بمصريتي القحة - فراح يهاجم قطر laquo;التي تحارب الرموز العربيةraquo; حسب تعبيره. بينما أكد ثالث أن: laquo;عمرو موسى تاريخه معروف وشعبيته مش زائفة.. الراجل ده معروف إنه أحسن وزير خارجية في عهد مبارك ومواقفه من إسرائيل واضحة طول عمره إن شاء الله هيكون رئيسنا القادمraquo;.
لم أشأ الاعتذار وقتها لكل هؤلاء وكبيرهم، فقد كنت مختلفا معهم ومصرّا على رأيي بأن laquo;عمرو موسىraquo; ليس أكثر من ظاهرة صوتية، وأنه لو أنتج تصريحاته في ألبومات فربما يتفوق بها على ألبومات laquo;عمرو ديابraquo;. لكن أداء عمرو- موسى وليس دياب- خلال الأشهر الماضية جعلني أكتشف مدى حماقتي حينما هاجمته، فالرجل فعلا تاريخه معروف ومواقفه واضحة، وظل سنوات طوال يعمل وزيرا لمبارك بحّ خلالها صوته من مطالبة رئيسه بالإصلاح وتحذيره من مغبة التأخير في هذا الأمر وإلا laquo;مش هيحصله كويسraquo;، ولما زهق من عدم استجابة الرئيس المخلوع للنصائح، فرّ بنفسه- دون أي دعم من مبارك- إلى laquo;المكلمة العربيةraquo;، حتى ينسى فيها همومه والضغط العصبي الذي سببه له المخلوع. لكن فضلا عن هذا التاريخ فإن هناك مزايا وبركات أخرى هلت على موسى، تجعله في منزلة مختلفة عن كل منافسيه المحتملين في الانتخابات الرئاسية المصرية.
فقد تبين أن laquo;الأمين العامraquo; السابق لـ laquo;المكلمةraquo; تميز عن كل أسلافه الذين شغلوا موقعه في التوقيع على دانات الشجب ومدافع الاستنكار، وحصل على مكافأة نهاية خدمة دفعتها له إحدى الدول الكبرى عبارة عن مبلغ بسيط لا يزيد على 5 ملايين من الدولارات الأميركية الخضراء. كما ظهرت بركة الرجل بعدما خرج العقيد القذافي ورجاله يكشفون أن موسى حصل منهم على سيارة فخمة، فإذا بعمرو يذهب إلى جامع السيدة زينب ويرفع أكف الضراعة داعيا على القذافي أن يريه الله فيه يوما لا تطلع له شمس أو نهار قادر يا كريم، لتستجيب له السماء فورا وتكون النهاية المريعة لمن كشف سر السيارة.
أما على المستوى الداخلي والاستعداد لخوض السباق الانتخابي الرئاسي، فإن ما يحسب لموسى أنه أثبت مدى بساطته المتناهية على عكس ما تبديه صورته بالسيجار الشهير. الرجل يقوم بجولات في مختلف الأحياء.. يحضر حفل زواج هنا، ويدخل بيت أحد الفقراء هناك، بشكل يشبه جولات مرشحي المجالس المحلية. هذه البساطة أهم بالطبع مئة مرة من تقديم برنامج واضح للقضاء على الفقر الذي جعل الشاب الذي حضر زفافه يستدين من طوب الأرض حتى يستطيع إكمال نصف دينه.
لكن المعجزة الكبرى والتفرد الحقيقي الذي سيجعل موسى في كفة وكل الرؤساء الذين سبقوه في كفه أخرى، اسمها laquo;شعبان عبدالرحيمraquo;، فالمطرب الشعبي الأثير أصبح المساند الأول لترشيح laquo;الطاووسraquo; للرئاسة، ومؤخرا اصطحب صديقا له أنشأ قناة فضائية جديدة وزارا موسى، وقدما فروض الولاء والطاعة، وأكدا له أن القناة وصاحبها وصديقه سيسخرون أنفسهم لخدمته في الانتخابات، وانتشرت صور الأحضان والقبلات بين موسى وشعبان بشكل يعيد إلى الواجهة ثنائية laquo;الرئيس والمطربraquo;.
كثيرون ما زالوا يتساءلون حتى الآن: laquo;أيهما استفاد من شهرة الآخر.. جمال عبدالناصر أم عبدالحليمraquo;؟ في إشارة إلى ارتباط الاثنين معا في أذهان الجماهير بعد الأغاني التي قدمها حليم لـ laquo;ناصر الثورةraquo;. بينما السادات لم يرتبط به مطرب مصري معين، لكن غنى له مطرب عربي كبير في قامة وديع الصافي laquo;سادات المحبة.. بشير السلامraquo;، كما غنت له ياسمين الخيام التي يقال إن زوجته السيدة جيهان دعمتها أملا أن تزيح أسطورة أم كلثوم بسبب ما قيل عن تبسطها في مناداة الرئيس بـ laquo;أبو الأناورraquo;. بينما مبارك حاول أن يصنع مطربا خصوصيا له هو محمد ثروت، والنتيجة أنه قضى على مستقبله الفني.
عندما أرى صورة لناصر أتذكر العندليب، ولما يظهر السادات في لقطة يكون مرادفه وديع الصافي، وحينما يذيع التلفزيون مشهد الشعب وهو يطالب مبارك بالرحيل تأتيني صورة محمد ثروت، وإذا تحدث عمرو موسى عن الإصلاح والرفاهية التي تنتظر الشعب على يديه، يأتيني من بعيد صوت شعبان عبدالرحيم في رائعته laquo;كداب يا خيشةraquo;!