بيـتر بيرجــين

لدينا 100 ألف جندي تقريباً في أفغانستان؛ وقمنا بشن أزيد من 200 هجوم بواسطة طائرات بدون طيار على المناطق القبلية النائية من باكستان؛ وأنفقنا مليارات الدولارات على العمليات الاستخبارية. ولكن بينما ستسجل في هذه السنة الذكرى العاشرة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر، ما زلنا أبعد ما نكون عن إيجاد أسامة بن لادن. وقد يكون من الممكن، بل من المرجح، أن نقول الشيء ذاته في الذكرى الخامسة عشرة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر، ثم في الذكرى العشرين! ولكن بالنظر إلى الحالة المؤسفة لعملية ملاحقة الرجل الذي دبر أكبر جريمة قتل جماعية في تاريخ الولايات المتحدة، ينبغي ألا نتفاجأ إذا ما بلغنا نبأ وفاة بن لادن، بعد سنوات من اليوم، على سريره.

وللعام الثاني على التوالي، لم يأت أوباما على ذكر بن لادن في خطابه حول quot;حالة الاتحادquot;. كما لقي خطر الإرهاب اهتماماً قليلًا نسبيّاً، وذلك لأن عجز الميزانية، والتنافسية الاقتصادية، واللباقة والكياسة في واشنطن، هي محاور النقاش الكبرى هذه الأيام. وعلاوة على ذلك، فإن بن لادن لم يعد مهمّاً مثلما كان -فهو مختبئ في أحد الكهوف ولم يعد يدير quot;القاعدةquot; أو المنظمات التابعة لها... أليس كذلك؟

كلا. إننا بهذه الطريقة نقلل من شأن بن لادن على رغم ما ينطوي عليه ذلك من أخطار بالنسبة لنا. فتأثيره على quot;القاعدةquot; ما زال كبيراً -رمزيّاً واستراتيجيّاً وتكتيكيّاً؛ وقدرته على البقاء حيّاً وحرّاً عامل مهم في رفع معنويات quot;القاعدةquot; وحلفائها، وتسمح لزعيم التنظيم بتحديد أجندة الحركة quot;الجهاديةquot; العالمية.

ومما لاشك فيه أنه لا أحد يستطيع نفي أو إنكار تأثير بن لادن على الحركة. فقبل ثلاث سنوات، طلبت حكومة دولة عربية كبيرة إجراء دراسة على مقاتلين معتقلين لديها، فتم استجواب 639 متطرفاً اعتُقلوا قبل 2004 و53 آخرين اعتُقلوا ما بين 2004 و2006. وفي كلتا الدراستين، أشارت أغلبية من المشاركين إلى بن لادن باعتباره أهم نموذج وقدوة بالنسبة لهم، مثلما أخبرني بعض المسؤولين في تلك الدولة.

وعلى النحو ذاته أدلى مخططو عملية إرهابية في بريطانيا بتصريحات معبِّرة حول زعيم quot;القاعدةquot; في أشرطة فيديو كانوا يعتقدون أنها ستكون آخر تصريحات لهم في هذه الدنيا. وفيها، تحدث محمد صديق خان، زعيم هجمات يوليو 2005 الإرهابية في لندن، عن بن لادن وأيمن الظواهري باعتبارهما quot;بطلينquot;، هذا في حين قال عبدالله أحمد علي، زعيم مخطط إسقاط سبع طائرات فوق المحيط الأطلسي في 2006، إن quot;الشيخ أسامة حذركم عدة مرات وطلب منكم مغادرة أراضينا وإلا فإنكم ستدمَّرون. والآن حان الوقت لأن تدمَّروا فعلاًquot;.

ثم إن الإرهابيين ما زالوا يأتمرون بأوامر بن لادن ويتصرفون وفق ما يوجه به. ففي مارس 2008، ندد زعيم quot;القاعدةquot; برسوم كرتونية مسيئة للإسلام نشرتها صحيفة دنماركية باعتبارها quot;مصيبةquot; تستحق عقاباً سريعاً. وبعد ثلاثة أشهر على ذلك، فجر انتحاري من quot;القاعدةquot; نفسه خارج السفارة الدانماركية في باكستان، قاتلاً ستة أشخاص. وإضافة إلى ذلك، يقول مسؤولون أميركيون كبار إن التخطيط لهجمات شبيهة بهجمات مومباي في أوروبا، التي دفعت وزارة الخارجية الأميركية لإصدار تحذيرات من عمليات إرهابية ممكنة عبر أوروبا الخريف الماضي، كان مدعوماً من قبل قياديي quot;القاعدةquot; ومن بينهم بن لادن نفسه.

وعلاوة على ذلك، فإن quot;القاعدةquot; التي يقودها بن لادن اختطفت إيديولوجيّاً جماعات إرهابية أكبر في باكستان، جماعات لم تكن تعتبر نفسها من قبل جزءاً من الجهاد العالمي ومنها quot;عسكر طيبةquot;، التي نفذت هجمات مومباي في 2008؛ وquot;طالبان باكستانquot;، التي أرسلت عميلاً لها إلى ساحة quot;تايمز سكويرquot; في نيويورك في مايو 2010؛ وquot;حركة الجهاد الإسلاميquot;، التي جندت مواطناً أميركيّاً لقتل موظفين بالصحيفة الدانماركية التي نشرت رسوماً مسيئة للإسلام. وأكثر من هذا، عندما ينضم مقاتلون إلى quot;القاعدةquot;، فإنهم لا يقسمون بالولاء للتنظيم، وإنما لابن لادن نفسه.

وقد حدث ذات مرة أن اعتبر كبار قادتنا أن القبض على بن لادن يمثل ضرورة أمنية: quot;سوف نقتل بن لادن؛ وسوف نسحق laquo;القاعدةraquo;؛ وينبغي أن يكون هذا الأمر أكبر أولويات أمننا القوميquot;، هكذا قال أوباما في حملته الانتخابية خلال مناظرة رئاسية في 7 أكتوبر 2008. ولكن بعد الفوز في الانتخابات، بدأ أوباما يولي أهمية أقل لملاحقة بن لادن حيث قال عندما أصبح الرئيس المنتخَب في يناير 2009 : quot;ما أرغب فيه بالطبع هو أن يقبض عليه أو ُيقتل... ولكن إذا كنا قد ضيقنا الخناق عليه وحاصرناه إلى درجة أنه بات مختبئا بأحد الكهوف ولا يستطيع حتى الاتصال بأتباعه، فإننا نكون في تلك الحالة قد حققنا هدفنا المتمثل في حماية أميركاquot;.

وحتى بوش عانى، هو أيضاً، من فشل ذريع في عمليات الملاحقة. فعلى رغم أنه دعا إلى القبض على الإرهابي quot;حيّاً أو ميتاًquot; بعد الحادي عشر من سبتمبر، إلا أنه غيَّر نبرته لاحقاً وقال في مارس 2002: quot;الواقع أنني لا أمضي كل ذلك الوقت في التفكير فيه، حتى أكون صادقاً معكمquot;.

ولكن سيكون من المفيد لو أمضينا مزيداً من الوقت في التفكير فيه، وذلك لأن بن لادن ما زال مؤثراً؛ كما أن موته أو اعتقاله من شأنه أن يثير معركة شرسة -وربما مفيدة- حول خلافته. فإذا أصبح المصري أيمن الظواهري هو من يخلف بن لادن من الناحية التقنية، فإنه يعتبر من قبل الكثيرين قوة مثيرة للانقسام وغير مناسب للمنصب القيادي. وتعليقاً على هذا الموضوع، يقول جون ماكلافلين، الذي كان نائب مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية quot;سي آي إيهquot; حتى 2004، إن القضاء على بن لادن quot;سيخلق تصدعات داخل التنظيم، وسيعيد إطلاق النقاش حول الاستراتيجية الواسعة، ويزيل الشخصية الأكثر قدرة على إلهام المجندين الجدد والتأثير فيهمquot;.

وبالنسبة للأشخاص الذين يأملون أن يتم إغلاق هذا الفصل يوماً ما، هناك اسم واحد يبعث على التفكير والتأمل: quot;فقير إيبيquot;. وقد كان quot;فقيرquot; هذا زعيماً دينيّاً مسلماً خاض حرب عصابات ضد البريطانيين في مناطق باكستان القبلية خلال الثلاثينيات والأربعينيات انطلاقاً من قاعدته في شمال وزيرستان. وقد تم نشر ما لا يقل عن 40 ألف جندي بريطاني وهندي في المنطقة من أجل ملاحقته. ولكنهم لم يجدوه أبداً، وتوفي على سريره عام 1960 -جراء حالة ربو حادة على ما يقال.

-------

بيتر بُرجن

مدير دراسات الأمن القومي في مؤسسة quot;نيو أميركا فاونديشنquot;

-------

ينشر بترتيب خاص مع خدمة quot;واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفيسquot;