توفيق المديني


انفتح الصراع الشامل من مالي وموريتانيا في غرب إفريقيا إلى الصومال في منطقة القرن الإفريقي،وأصبح صراع تنظيم laquo;القاعدةraquo; و المنظمات المرتبطة به ،وهو صراع ذو طبيعة عنفية، مرتبطاً برؤيه جيوبوليتيكية. وصارت الصوملة بمنزلة النموذج الجديد المتوقع أن يسيطر على تطور الأحداث القادمة في تلك المنطقةالتي تضم الصحراء الكبرى و القرن الإفريقي.
شرارة البداية جرت أولا في عام 1998، عندما ضرب انفجاران السفارتين الأمريكيتين في كل من كينيا و تنزانيا، ثم جاءت لاحقا هجمات 11 سبتمبر 2001 التي استهدفت مركز التجارة العالمية في نيويورك، ومبنى البنتاغون في واشنطن.
لقد كشفت أحداث11سبتمبر 2001,عن هشاشة العالم المعاصر ، وعن عجز الديمقراطيات الغربية عن تأمين الاستقرار للعالم المنبثق من انهيار الإمبراطورية السوفياتية . فبسبب الاعتقاد الخاطئ المفرط من جانب الولايات المتحدة الأميركية من أنهاهي التي هزمت الاتحاد السوفياتي ، بينما يعود هذا النصر في حقيقة الأمر بالدرجة الأولى إلى شعوب أوروبا الشرقية ، و بسبب الغبطة المثيرة من التهديد السوفياتي، و الازدهار الاقتصادي الذي رافقه ، تبنت الديمقراطيات الكلاسيكية الغربية و على رأسها الولايات المتحدةالاميركية ، الأساطير المؤسسة لنهاية التاريخ و السياسة .
مغامرة laquo;القاعدة raquo;التي لا تحظى بأية مساندة من جانب أي دولة منذ سقوط نظام طالبان في أفغانستان، تمثل مفارقة حقيقية. فبينمااستطاعت الحرب الكلاسيكية على الإرهاب أن تشل قدرة laquo;القاعدة raquo;على تنفيذ عمليات دموية كبيرة على غرار عمليات نيويورك وواشنطن ، نجد بالمقابل أن أفكار laquo;القاعدةraquo; انتشرت في صفوف التيارات السلفية الجهادية ، وظهرت عشرات الجماعات المسلحة في شمال إفريقيا ، وبلدان جنوب الصحراء و الصومال ، واليمن ، تسمى نفسها باسم تنظيم laquo;القاعدة في كذا وكذاraquo;،و إن كان هذا ليس دليلا على وجود علاقة تنسيقية أو تنظيمية بينها وبين تنظيم laquo;القاعدة raquo;في أفغانستان ، وإنما هو مجرد تشبه بالاسم والفكر والتوجه بتنظيم laquo;القاعدةraquo; الذي أصبح موضة وماركة مسجلة في وقت من الأوقات، وفي نفس الوقت كانت أعمالها تنسب خطأ إلى تنظيم laquo;القاعدة raquo;بقيادة أسامة بن لادن وأيمن الظواهري.
laquo;القاعدةraquo; هزمت في أفغانستان، فخارج منطقة وزيرستان ، لاتوجد أراض تحت سيطرتها ،و يعيش زعيمها أسامة بن لادن ، ومنظرها الدكتور أيمن الظواهري في أماكن سرية، مقطوعين عن العالم الخارجي، كما أن laquo;القاعدة raquo;ضعفت كثيرا في العراق ،وصُدَت في المملكة السعودية، وأصبحت مجبرة على القيام بعملياتها في المناطق laquo;الهامشيةraquo;.
الإدارة الأميركية الجديدة بزعامة الرئيس باراك أوباما تريد قلب الاتجاه، من خلال إعلانها سحب القوات الأميركية من العراق، والتركيز على حربها ضد القاعدة في معقلها بباكستان ، و تقديم خطاب جديد( خطاب القاهرة 4يونيو2009) جوهره :أن أمريكا ليست في حرب لا مع الإسلام ، و لا مع العالم الإسلامي.
في ظل الضربات التي تلقاها تنظيم laquo;القاعدةraquo;في العراق، بفعل الدور الذي لعبته مجالس الصحوة هناك، عملت قيادات laquo;القاعدةraquo; على تأسيس ملاذات آمنة جديدة في إفريقيا ، لاسيما في منطقة المغرب العربي، و بلدان الصحراء الكبرى ، و الصومال ، حيث تمكنت التيارات السلفية الجهاديىة من شن عمليات ضد الولايات المتحدة الأميركية أووكلائها في هذه المناطق.
يجمع معظم المحللين العرب على أن منطقة المغرب العربي تحولت إلى مسرح حقيقي لنشاط تنظيم القاعدة ، يشهد على ذلك العمليات النوعية التي يقوم بها laquo;تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي raquo; في الجزائر خلال السنوات الأخيرة، والذي وسّع نشاطه ليشمل المناطق الممتدة من جنوب موريتانيا إلى السودان ، مرورا بالبلدان الواقعة جنوب الصحراء الكبرى :مالي و النيجر و التشاد.
فتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الذي تشكل في نوفمبر 2006، من خلال انضمام الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية ومجموعات إسلامية متشددة مغاربية أخرى لـlaquo;القاعدةraquo; الأم، وأعلن مبايعته لزعيمها أسامة بن لادن، وسع نشاطه كي يشمل البلدان المغاربية، فضلاً عن جيرانها الأوروبيين كفرنسا وإسبانيا.
ولما كان تدويل العنف هدفاً مركزياً لأسباب متعددة، فقد استفاد التنظيم من عوامل جيوسياسية ولوجستية عديدة، لكي يركز نشاطه العسكري في بلدان الساحل الإفريقي، مستغلاً حالة التراخي الأمني الموجودة في المناطق الصحراوية الممتدة في المثلث الحدودي: الجزائر ـ موريتانيا ـ مالي ـ تشاد ـ النيجر.
تشهد موريتانيا في السنوات الأخيرة تنامي الهجمات ضد الأهداف الغربية، وهذا ما يفسر لنا قيام laquo;تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلاميraquo; بعدة عمليات عسكرية، مقتل أربعة من السياح الفرنسيين في مدينة صغيرة تبعد 250 كيلومتراً جنوب شرق العاصمة الموريتانية نواكشوط في 24 ديسمبر 2007، ومقتل رجل أميركي في قلب العاصمة نواكشوط ، كان يعمل مديرا لمدرسة ، يوم 23يونيو ،2009، ، أو فتح جبهات جديدة، ولا سيما في النيجر حيث أسفر الهجوم على مركز عسكري عن مقتل ثمانية أشخاص في 8 مارس ,2010.
و لما كانت فرنسا تساند بقوة الرئيس الموريتاني الجديد الجنرال محمد عبد العزيز الذي أدى اليمين الدستورية في بداية شهر أغسطس 2009،و الذي ينتهج سياسة حازمة في مواجهة تنظيم laquo;القاعدةraquo; ، فقد تعرضت سفارتها في نواكشوط في 8 أغسطس 2009لأول هجوم انتحاري، إذ فجر شاب موريتاني حزامه الناسف على بضعة أمتار من البعثة الديبلوماسية الفرنسية أسفر عن جرح شرطيين فرنسيين من أمن السفارة إضافة إلى امرأة من المارة.
وبعد أسبوعين من تفجيري كمبالا اللذين أوقعا 76 قتيلاً في 11 يوليو 2010، أعلن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي مسؤوليته عن مقتل الرهينة الفرنسي ميشال جيرمانو البالغ من العمر 78 سنة، والذي اختطفه التنظيم يوم 19 إبريل 2010في النيجر.
كانت قوة من الجيش الموريتاني، بالتعاون مع فرنسا، قد شنت هجوماً على معسكر تابع لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، يقع على الحدود الموريتانية ـ المالية يوم 22 يوليو 2010، أسفر عن مقتل ستة عناصر من التنظيم، في محاولة قيل إنها استهدفت تحرير رهينة فرنسي هدد تنظيم laquo;القاعدةraquo; بإعدامه.
وقد برّر الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ذلك الهجوم بالقول إن laquo;المعسكر الأساسي للمجموعة الذي دمر، كان على الأرجح مكان اعتقالraquo; الرهينة. وأضاف أنه كان من laquo;واجبraquo; فرنسا بذل محاولات لإنقاذ ميشال جيرمانو، فيما اعتبر البعض أن العملية عرضت حياته للخطر، قبل أن يعلن التنظيم عن إعدامه بعد ذلك.
يعتقد المحللون أن تفجيرات كمبالا، وإعدام الرهينة الفرنسي، وتجدد الاشتباكات بين الجيش الجزائري والمتشددين الإسلاميين في جنوب الجزائر، كلها تؤكد على مسألة واحدة، وهي أن تنظيم القاعدة قام بتصدير عملياته العسكرية إلى القارة الإفريقية، وبالتالي عولمة العنف الأعمى.
الراديكالية الإسلامية أو السلفية الجهادية تسيطر على بلدان جديدة في منطقة الصحراء الكبرى ، هذا ما يؤكده مدير جهاز الاستخبارات الفرنسية لمكافحة التجسس ، برنار سكارسيني، في الحوار الذي أجرته معه مجلة السياسة الدولية ، بقوله:laquo;إفريقيا هي المستهدفة من هجمات القاعدة. و يضيف قائلا:laquo; خلال خمسة عشر عاما ،وعلى الرغم من الجهود المبذولة من جانب مختلف الأجهزة، وعلى الرغم من التقدم في التعاون الدولي ، فإن الإسلام الجهادي استطاع أن يفتح بلداناً جديدة: شمال مالي(حيث تتمركز الكتيبة الساحلية لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي )(..) والنيجر،وموريتانيا،ومنذ وقت قصير السنغال. وخلال خمسة عشر عاما، ربما سينزل الخطر أكثر إلى الجنوب. فالراديكالية الإسلامية التي تتقدم في إفريقيا السوداء تخبىء لفرنسا مفاجئات سيئةraquo;(صحيفة لوموند الفرنسية 29/7/2010).
القارة الإفريقية المعروفة بإسلامها المتسامح ، هل تحولت إلى ملاذ آمن لتنظيم laquo;القاعدةraquo;؟ليس زعيم تنظيم القاعدة الشيخ أسامة بن لادن بمجهول في القرن الإفريقي ، فقد أقام في الصومال في بداية التسعينيات من القرن الماضي ، وشارك بعض الأفغان العرب المقربين منه في الهجوم على قوات المارينز الأمريكية عام 1993 في مقديشيو.
عقدت قمة الاتحاد الإفريقي في العاصمة الأوغندية كمبالا يوم 25 يوليو 2010، وحضرها نحو 35 من رؤساء الدول الإفريقية ، وغاب آخرون، بينهم الرئيس المصري حسني مبارك laquo;لأسباب أمنية لا تتعلق بصحة الرئيسraquo;، على ما أفاد مصدر رسمي .
قال الرئيس الأوغندي يويري موسيفيني في جلسة الافتتاح: laquo;يمكن بل يجب دحر هؤلاء الإسلاميينraquo;، في إشارة laquo;إلى مقاتلي حركةlaquo; الشباب المجاهدين في الصومال raquo; التي تبنت تفجيري كمبالا. وأضاف: laquo;لنعمل معاً على طردهم من افريقيا. ليعودوا إلى آسيا والشرق الأوسط من حيث يأتي بعضهم على حد علمي.raquo;.
صادقت قمة الاتحاد الإفريقي على إرسال تعزيزات قوامها ألفا جندي إلى قوة الاتحاد الإفريقي المنتشرة في الصومال والتي تعد حاليا أكثر من ستة آلاف جندي بقليل، وحسمت رأيها لجهة توسيع إقرار مهمة دفاعية لهذه القوات، كما أعلن رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي جان بينغ.وأبدى الرئيس الأمريكي باراك أوباما في رسالة تلاها في كمبالا وزير العدل الأمريكي اريك هولدر laquo;التزامه بمواصلة الدعم (الأمريكي) إلى الاتحاد الإفريقي وقواته في الصومالraquo;، ورحب بمساهمة أوغندا وبوروندي laquo;البطوليةraquo; في تلك القوة.
تشكل استجابة قمة الاتحاد الإفريقي في كمبالا لتعزيز قوة حفظ السلام الإفريقية بإقرار زيادة في عدد القوات الإفريقية في الصومال وطلب إعطاءها صلاحيات ضمن الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لا الفصل السادس، توسيعاً لرقعة الصراع وتحويله إلى حالة تفجير داخلي في تلك الدول ،التي تعيش حالات صراع مكتومة بالفعل في داخلها وحالات انفلات وصراعات على حدودها.
من وجهة نظر حركة laquo;الشباب المجاهدين في الصومالraquo;، تعتبر قوات حفظ السلام الإفريقية قوات احتلال و طرف يحارب المعارضة الصومالية المناوئة للحكومة لا طرف لحفظ السلام. والمراجع لأسماء الدول المشاركة في القوات الإفريقية في الصومال يكتشف بوضوح أنها قوات من القرن الإفريقي منغمسة في صراع داخل الصومال ، حيث قرّرالمجاهدون في الصومالraquo; نقل المعركة إلى داخل تلك الدول هي الأخرى.
باتت حركة laquo;الشباب المجاهدين في الصومالraquo; تسيطر على مناطق كبيرة من البلاد ، حوالي 80 في المئة، باستثناء العاصمة مقديشو ، حيث يصنف الصومال كـlaquo;دولة فاشلةraquo;،