عدنان السيد

ما حصل في مصر ليس مجرد احتجاجات، بل هو ثورة شعبية . إنها ثورة 25 يناير كما ستُؤرخ . ثورة المصريين، في المدن والقرى، أغنياء وفقراء، مسلمين ومسيحيين، شباب وشيوخ ونساء وأطفال، وإن كان للشباب دور الريادة في هذه الثورة الجديدة .

عاد مفهوم الشعب ليتصدّر السياسة والفكر السياسي . فالمصريون ليسوا مجرد رعايا في دولة الحاكم، ولا هم جواري في ظلال القصور . إنهم أحرار ينشدون الحرية بكل مضامينها السياسية والاقتصادية والاجتماعية .

وعليه، فإن عبارة: (الشعب مصدر السلطات) باتت راسخة في وجدان المصريين، وربما عند العرب الآخرين . فلا خوف على الثورة والثوار طالما أن الشباب هم القادة .

لطالما مزّقنا الاستعمار إلى دويلات وطوائف ومناطق وأعراق . . . وكثيراً ما أسهم بعضنا في هذا التمزيق خلال عهود ماضية . اليوم، تستعيد مصر مفهوم الشعب، ويعود مفهوم الوطن والمواطنة إلى صدارة الساحات والاهتمامات .

وعاد مفهوم الشرعية ليُطرح على بساط البحث . ومتى كانت الشرعية قائمة على حساب الشعب؟ ومتى كان لها معنى بمعزل من إرادة الشعب؟

تابع الفرنسيون ثوراتهم، لا ثورتهم الأولى فقط منذ العام ،1789 فتحركوا مراراً، وانتفضوا على التسلط، والظلم الاجتماعي، حتى بلغوا ما بلغوا من حريات وعدالة وثقافة .

المصريون في هذه الأيام يصلون ثورة 25 يناير بثورة 23 يوليو، فيستعيدون دور مصر وموقعها الريادي .

مصر للمصريين، شعار كان في مواجهة الإنجليز . وها هي التأثيرات الإيجابية تنتقل من عاصمة عربية إلى أخرى بحثاً عن دور للعرب في هذا العالم .

ولأن مفاهيم الشعب والشرعية والعروبة تعود إلى أصالتها وإلى ألقها، تتجسّد وحدة المصريين، او على الأصح وحدة المواطنين المصريين . إنها الوحدة الوطنية التي تجاوزت تصنيفات: مسلمين وأقباط، ليبراليين ويساريين، إسلاميين وقوميين، فقراء وأغنياء . . . . هذا لا يعني إنكاراً للتعدّد الاجتماعي والديني والسياسي، بقدر ما يعني أن الوطنية المصرية صارت مرفوعة اللواء في مواجهة الانقسام .

مهما كانت الاجتهادات حول ثورة مصر، فإن ثلاثة أسباب جوهرية تقف وراء المدّ الثوري الجديد، الذي قد يتجاوز أرض الكنانة إلى بلاد العرب والشرق الأوسط والعالم الإسلامي . هذه الأسباب هي:

1 ظاهرة الفساد التي حوّلت شعب مصر إلى فقراء متسوّلين، فيما ثروتهم تُهدر، ومواردهم تتبدّد .

2 القهر السياسي، وطغيان حالة الطوارئ على شعب يريد تنفّس الحرية .

3 تراجع دور مصر في منطقتها، وهي التي قال عنها نابليون إنها العاصمة الطبيعية للعرب .

تأسيساً على هذه الأسباب، نحن أمام ثورة شعبية عارمة، تعيد إلى الشعوب المغلوبة إرادة التحرّر، ولا نخشى والحال هذه حصول تباعد بين الشعب والجيش .

الجيش المصري هو ابن الشعب، وهو الذي خبر مطالب شعبه منذ ثورة عرابي في القرن التاسع عشر إلى ثورة يوليو 1952 . وهو الذي قاتل ldquo;إسرائيلrdquo;، وسطّر ملحمة العبور في حرب 1973 . ومن المفارقات أن يرتاح الفريق سعد الدين الشاذلي واضع خطة العبور في اليوم الذي انتصرت فيه ثورة مصر الجديدة .

إنها مرحلة جديدة في حياة مصر وبلاد العرب . كيف لا وأن ثورة مصر جاءت بعد ثورة تونس، مرحلة تقتضي الالتزام بمصالح الشعب، وإرادة الشعب، بعيداً من القهر السياسي والظلم الاجتماعي والتبعية المفرطة في عالم متغيّر .

مرحلة تستدعي العودة إلى مفهوم الصالح العام، أي مصالح الشعب وقضاياه الكبرى في الكرامة الشخصية والوطنية، في العدالة والتنمية، في الحرية والتحرّر، في التحديث والتجدّد الحضاري .

كل هذه الآمال تستدعيها ثورة مصر، وربما أكثر من ذلك .