عبدالله بن بخيت

بعد وأثناء الأحداث الجليلة التي جرت في مصر سمعنا من يعبر عن مخاوفه من التغلغل الإيراني في مصر. يبني معظم هؤلاء تخوفهم على قوة حضور الإخوان المسلمين (المزعومة) في الشارع المصري. من الواضح أن هؤلاء لا يعرفون تاريخ البلدين ولا يقدرون حجمهما الدولي والمحلي. يتحدثون عن مصر كأنما يتحدثون عن الصومال أو جيبوتي أو حتى لبنان. السؤال الذي يجب أن يسأل بعد الثورة هو:إلى أي مدى سوف تتغلغل مصر في إيران وليس العكس.

قراءة تاريخ البلدين في زمن الحكام النسور جمال عبدالناصر في مصر ومحمد رضا بهلوي في إيران تعطي لمحة سريعة عن فارق القوة والامكانات بين البلدين. لم تجد إيران في ذلك الزمن مجالا تعبر فيه عن نفوذها في المنطقة إلا عبر التحالف مع إسرائيل وإشهار العداء على العرب. من أجل أن يكون لها دور منافس للدور المصري في المنطقة صارت إيران دولة منبوذة.

لا يمكن قراءة سقوط نظام مبارك من الزاوية الاقتصادية والخبز. فقدت مصر في الثلاثين سنة الماضية موقعها الريادي في كل المجالات. انكمشت في دور الوسيط والتابع. يمكن تفسير التغلغل الإيراني في القضايا العربية على ضوء هذا الانكماش. سرد بسيط لأهم القضايا التي ألمت بالمنطقة سيكشف لنا عن سبب تفشي الدور الإيراني. لولا نشاط المملكة على المستوى الاقليمي لربما خسرت الأمة العربية كثيرا من مقوّمات وجودها الاساسي. السودان يمثل عمق مصر الاستراتيجي. واجهت هذه الدولة العربية الواقعة على النيل أكبر محنة في تاريخها. تواجدت على أرضها كل القوى الكبرى وجرى خلخلتها ومحاكمة نظامها وأخيرا تم تقسيمها في ظل غياب مصري كامل. التدخل المصري في السودان لا تمليه العلاقة القومية فقط. يفترض أن تكون مصر أهم لاعب في القضية السودانية بحكم العلاقة التاريخية والاشتراك في كثير من مقومات الحياة الضرورية (النيل). جرت الأحداث السودانية وكأن الأمر بالنسبة لوزارة الخارجية المصرية تجري في كمبوديا أو فيتنام.

لبنان بؤرة ملتهبة منذ عدة سنوات. يشكل الحضور الإيراني فيها قضية مهمة لكل العرب. أقرأ اللاعبين الاساسيين في الصراع اللبناني: المملكة العربية السعودية سورية إيران إسرائيل أمريكا فرنسا وأخيرا دخلت تركيا.لا وجود لمصر بينهم. أبحث عن مصر في القضية الفلسطينية. انحسر دور مصر في القضية الفلسيطينية في غزة ثم حماس واستقر عند قضية الأسير الإسرائيلي جلعاد شاليط.

تذكّر أي دور مصري في العراق منذ حرب تحرير الكويت وابحث عن مصر في اليمن أو الصومال . دعك من الدور السياسي تأمل في نواحي الحياة الأخرى. كانت مصر تسيطر على الإعلام في العالم العربي فتراجعت إلى الهامش. كانت مصر تسيطر على الحركة الأدبية في العالم العربي فتراجعت إلى حد كبير, كانت مصر تسيطر على الدراما التلفزيونية, أصبحت اليوم مجرد منافس, كانت مصر تصدر الكتب واساتذة الجامعات والأطباء والصحفيين. كانت مصر الأول في كل شيء في المنطقة.

لا يمكن اختزال ما جرى في مصر في الخبز أو في شباب الفيس بوك أو الفساد.

ما ثار في مصر هو الروح المصرية التي عانت من الدور الهامشي الذي عاشته في الثلاثين سنة الماضية. مصر دولة إقليمية كبرى لديها نزعة قيادية لم تفارقها طوال تاريخها. السؤال الآن: ما هو مصير النفوذ الايراني بعد الثورة المصرية؟