عبد الرحمن الراشد


لا يمكن أن نعتبر ما يحدث في ليبيا نتيجة وحيدة لثورة البوعزيزي الشاب الذي أحرق نفسه احتجاجا على الظلم في تونس، فأشعل المنطقة. لكنها أسهمت بشكل كبير وصبت المزيد من الزيت على النار الداخلية في ليبيا. فقد سعت المعارضة الليبية على مر السنين إلى كل الوسائل للإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي، لكنها قمعت في كل المرات الماضية، حتى إنها جربت حمل السلاح وإسقاط النظام وعجزت أيضا. وبالتالي، فأحداث بنغازي والمشرق الليبي الجديدة محاولات أكبر وأوسع للإطاحة بالنظام. والثورة في ليبيا تواجه وضعا مختلفا عما واجهته الحركتان في تونس ومصر، اللتان ارتضتا الجيش حكما وحارسا، لأنه لا يوجد في ليبيا سوى النظام الذي يرفض كل ما تطالب به المعارضة، والمعارضة ترفض أي حلول جزئية. وبالتالي، في ليبيا اليوم حالة حرب لا مظاهرات شعبية.

أما في اليمن، فالضغوط متعددة والمطالب مختلفة، والرئيس علي عبد الله صالح انحنى للمطالب الأولى، فوافق على أن يمتنع عن الترشح للرئاسة وتعهد بأن يمنع ابنه من خوض الانتخابات المقبلة. لكن يبدو أن المعارضة تريد المزيد من دون أن نعرف سقف المطالب الكافية حتى الآن. وهناك مظاهرات الجنوب في اليمن، وهي الأخرى ليست جديدة وتتلخص في مطلب أساسي وهو الانفصال وإعادة تأسيس دولة اليمن الجنوبي؛ الأمر الذي يرفضه الرئيس صالح بشدة. لكن لأن الضغوط شديدة من كل جانب فقد لا يكون صالح في وضع يسمح له بصد مطالب الجنوبيين، وربما سيطرح مبادرة جديدة يعطي فيها صلاحيات فيدرالية حقيقية لهذا الجزء المهمل من بلاده.

انتفاضة عدن وغيرها من مدن الجنوب ليست نتيجة طارئة لثورة البوعزيزي، بل بدأت منذ فترة لكن ازدادت سخونة مع المناخ الحار في الشارع العربي. أما في الشمال، حيث المظاهرات مستمرة، فإن القبيلة لاعب أساسي في حسم الأزمة اليمنية لا الشارع وحده.

والأمر كذلك في البحرين الذي يعيش دائما على خط الزلازل الطائفي، حيث إن المظاهرات الأخيرة أحدثت استقطابا فوريا عند السنة والشيعة. وهكذا تحولت إلى حركتين متضادتين، والحكومة في المنتصف. وتتميز البحرين بأنها منذ عشر سنوات سارت بعيدا في الإصلاحات السياسية، لكنها لم تكن كافية عندما لم تحل المشكل المعيشي للمواطن.

وإشكالية البحرين أعظم من طائفية، فهو بلد فقير الموارد محاط بدول خليجية غنية تستطيع حل مطالب مواطنيها بالدعم السخي، وهذا ما يجعل الوضع أصعب على المواطن البحريني الذي يضطر بعضهم إلى عبور الجسر إلى السعودية لشراء حاجياته من البنزين والأرز واللحم الرخيص جدا مقارنة بأسعاره على الطرف الآخر من الجسر. لهذا لا مفر عند الحكومة البحرينية سوى توسيع دائرة المشاركة الشعبية وإشراك مواطنيها لتحمل المسؤولية معها.