عدنان حسين
في اجتماعها الوزاري الأخير علّقت الجامعة العربية عضوية ليبيا فيها جزاءً لنظام القذافي عن قمعه المنفلت لشعبه.. لم تفعلها الجامعة من قبل، فكانت خطوة تاريخية تحمل بصيص أمل بأن الجامعة يمكن أن تكون رابطة إقليمية للشعوب وليس للحكام فقط. لكن الجامعة لم تتخل بعد عن عقليتها القديمة المتبلدة، فهي لم تنس أن تستعيد خطابها التقليدي بـquot;رفضquot;
التدخل الخارجي في الأزمة الليبية ومناهضة أي عمل عسكري أجنبي لوقف عدوان القذافي العسكري على شعبه الذي انطلق في البداية في حركة احتجاج سلمية للمطالبة بالحرية والديمقراطية.
موقف الجامعة في صالح القذافي، فالمؤسسة العربية الرسمية لم تقدم بديلاًً عن التدخل الخارجي، ولم تعرض حتى خارطة طريق لحل الأزمة الليبية.
النظام الليبي، كغيره من الأنظمة العربية، مدجج بالأسلحة، بما فيها الكيمياوية، وربما البايولوجية أيضاً.. أما الشعب الليبي فأعزل، وبالكاد استطاع المتظاهرون الليبيون أن يحصلوا على أسلحة خفيفة ومتوسطة من مراكز شرطة ووحدات عسكرية انضمت إليهم. ومن جانبه لم يتردد نظام القذافي من استخدام أسلحته الثقيلة، البرية والجوية، في القصف العشوائي للمدن الليبية المتحررة من سيطرته.. وشيئا فشيئا تتطور الحملات العسكرية التي تشنها قوات القذافي الآن إلى جرائم ضد الإنسانية وحرب إبادة جماعية، ما حمل الأمم المتحدة على عرض القضية على المحكمة الجنائية الدولية.
الموقف المناهض للتدخل الخارجي خاطئ، فهو في مصلحة نظام القذافي ضد مصلحة الشعب الليبي.
في الماضي القريب دعمنا، نحن العرب، التدخل الخارجي المسلح في البوسنة والهرسك والجبل الأسود وكوسوفا. كما أيدنا التدخل الخارجي العسكري لوقف مجازر الإبادة الجماعية في الكونغو ورواندا، بل أرسل بعض العرب قوات ضمن قوات الأمم المتحدة للمساهمة في إحلال السلم والأمن في بعض هذه البلدان.
لماذا نؤيد التدخلات الخارجية لحفظ دماء وأرواح مسلمين وغير مسلمين في أوروبا وأفريقيا، ونناهض تدخلات مماثلة لصيانة أرواح ودماء عربية؟ هل الدم العربي أرخص من سواه والروح العربية أبخس ثمناً من غيرها؟
العراق والشعب العراقي تكلفا ثمناً باهظاً لهذه النظرية العربية البلهاء المتهافتة التي تعارض التدخل الخارجي بالمطلق في بلاد العرب، فقد أباد نظام صدام بدم بارد أمام أنظار العرب جميعاً مئات الآلاف من العراقيين في حروبه الداخلية والخارجية التي لم يتوقف مسلسلها إلا بتدخل عسكري خارجي قاد في النهاية إلى هذا المد الديمقراطي في بلاد العرب، فلو بقي نظام صدام حتى الآن لاحتاجت عاصفة الحرية والتغيير وقتا أطول لاجتياح هذه البلاد.
التدخل العسكري الخارجي في ليبيا سيكون عملاًً صحيحاً، بل هو مطلوب على عجل للحفاظ على الشعب الليبي. وثمة أكثر من مبرر سياسي وإنساني وأخلاقي لهذا التدخل، فالمجتمع الدولي، ممثلا بالأمم المتحدة، مسؤول عن حفظ الأمن والسلم الدوليين، وهذه بالذات وظيفة مجلس الأمن، والحرب الدموية التي يشنها نظام القذافي ضد شعبه تهديد سافر لسلام العالم وأمنه.. ليبيا جزء من العالم وشعبها جزء من البشرية.
القذافي يقتل شعبه بأسلحة لم يصنعها بنفسه وإنما اشتراها بالمليارات من الدول الصناعية الكبرى، وهي نفسها صاحبة النفوذ في الأمم المتحدة، وهذه الأسلحة بيعت من أجل رد العدوان الخارجي على ليبيا وليس لقمع الشعب الليبي.. الدول التي باعت القذافي هذه الأسلحة تتحمل مسؤولية أخلاقية في التدخل لوقف استعمال أسلحتها ضد الشعب الليبي
إنقاذ الشعب الليبي من مجزرة حقيقية يتطلب تدخلا خارجيا، والشرط الوحيد لهذا التدخل إلا أن يُملي المتدخلون على الليبيين نظاما معينا أو نخبة حاكمة لا يختارونها بأنفسهم، كما حصل في العراق منذ ثماني سنوات.
التعليقات