إياد مسعود

يكاد اهتمام السلطة الفلسطينية أن يتركز حول ما يسمى استحقاق أيلول، كموعد لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة، معترفاً بها دولياً، وعضواً في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وتستند السلطة الفلسطينية في تحديد استحقاق أيلول إلى أمرين:
ـ الأول أن اللجنة الرباعية، حين دعت إلى المفاوضات المباشرة في أيلول 2010 بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، رسمت لهذه المفاوضات سقفاً زمنياً لا يتجاوز العام الواحد. أي أن تنتهي في أيلول 2011.
ـ الثاني أن الرئيس الأميركي باراك أوباما، في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول الماضي، عبر عن أمنيته أن يرى مندوب الدولة الفلسطينية جنباً إلى جنب مع مندوبي باقي الدول في الدورة القادمة في أيلول 2011.
بناء عليه، ترى السلطة الفلسطينية أن أيلول 2011 سيشكل موعداً مفصلياً، يعلن فيه انتهاء الشوط التفاوضي مع الإسرائيليين، والعودة إلى المنظمة الدولية للأمم المتحدة لتتخذ قرارها بشأن مصير الدولة الفلسطينية، وتتحمل مسؤوليتها في تحرير هذه الدولة من براثن الاحتلال الإسرائيلي.
غير أن ما يلفت النظر، في هذا كله، أن اللجنة الرباعية، ومعها الرئيس أوباما، تحدثا عن استحقاق أيلول 2011 باعتباره خاتمة لجولة تفاوضية، يفترض أن تستكمل فترتها الزمنية كاملة (أي عاماً واحداً) وأن تنتهي باتفاق بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي على قضايا الحل الدائم.
ما حصل أن المفاوضات تعطلت في نهاية أيلول 2010، بسبب رفض الإسرائيليين التمديد للتجميد الجزئي للاستيطان. وما حصل أيضاً أن الجانب الأميركي لم يعد يرى في تجميد الاستيطان واحداً من متطلبات استئناف العملية التفاوضية، وعلى هذه القاعدة، دعت واشنطن، وعلى لسان وزيرة خارجيتها، هيلاري كلينتون، في خطابها الشهير في 10/12/ 2010، في مركز الصبان لدراسات الشرق الأوسط، إلى استئناف المفاوضات من دون وقف للاستيطان. لكن مثل هذه الدعوة لم تلق آذاناً صاغية من الجانب الفلسطيني الذي أصر على موقفه، بضرورة وقف الاستيطان، ولو لمدة محددة، تكون كافية لحسم قضية الحدود، بين الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية، بما ينزع لغم الاستيطان من طريق المفاوضات، ويفتح الباب لحسم باقي القضايا.. وبناء عليه يمكن القول إن الحديث عن استحقاق أيلول لا يحمل في طياته ضمانات، إذ من الممكن، بل من المتوقع أن يتراجع أوباما عن وعده، وكذلك الرباعية، بذريعة أن الاستحقاق كان رهناً بالوصول إلى حل عبر المفاوضات. وأن أحد المبادئ التي تتمسك بها واشنطن هو رفضها المطلق اللجوء إلى إجراءات أحادية، تتجاوز العملية التفاوضية، وأن القضايا كافة يجب أن تحسم على طاولة المفاوضات وليس خارجها. دللت واشنطن على ذلك حين لجأت إلى الفيتو في مجلس الأمن لإسقاط قرار دولي يدين الاستيطان الإسرائيلي، معلنة رفضها إحالة القضية الفلسطينية إلى مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة بديلاً لطاولة المفاوضات.
استحقاق أوباما، واللجنة الرباعية، في أيلول المقبل، ليس هو الأول من نوعه في تاريخ العملية السياسية بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي. فلقد سبقت ذلك سلسلة استحقاقات مماثلة، نفقت كلها، من دون أن ينفذ منها شيء، ولعل أهمها:
1 ـ استحقاق اتفاق أوسلو الذي نص على إنهاء العملية التفاوضية بعد خمس سنوات على بدء تطبيق الاتفاق. مرت السنوات الخمس في العام 1999، وذهب الطرفان إلى مفاوضات كامب ديفيد (تموز 2000)، وامتد الحال بهما، حتى اللحظة من دون أن يأخذ الاتفاق طريقه إلى التطبيق. علماً أنه اتفاق رسمي، شهدت على ولادته الولايات المتحدة، واعتمدته الأمم المتحدة وثيقة رسمية ملزمة لمن وقعوها.
2 ـ استحقاق خارطة الطريق التي ولدت في ربيع العام 2003. وقد نصت في فصلها الأول على اعتراف إسرائيل بالدولة الفلسطينية. بقيت خارطة الطريق معطلة، رغم أن الجانب الفلسطيني التزم بما جاء فيها، التعنت الإسرائيلي، والتراخي الأميركي، وضعف اللجنة الرباعية، كلها عوامل عطلت تطبيق خطة الطريق.
3ـ الوعد الأول لبوش الابن، الرئيس الأميركي السابق الذي تعهد، بقيام دولة فلسطينية في نهاية ولايته الأولى (2004). انتهت ولايته المذكورة، وبقيت الدولة الفلسطينية مجرد وعد.
4ـ الوعد الثاني لبوش الابن، وقد تعهد ألا يغادر البيت الأبيض (نهاية 2008) قبل قيام دولة فلسطينية. بوش غادر البيت الأبيض وما زالت الدولة الفلسطينية تنتظر وعود أوباما واللجنة الرباعية.
التجارب تؤكد أن التعويل على العامل الخارجي، لأجل قيام دولة فلسطينية ما هو إلا رهان أثبت خسارته في أكثر من محطة.
وما على الفلسطينيين سوى أن يعيدوا الاعتبار للعامل الذاتي، أي العامل الفلسطيني، ولعلّ الخطوة الأولى نحو إحياء هذا العامل الذاتي هي في العمل الجاد على إنهاء الانقسام، وأن تطرح الأطراف الفلسطينية جانباً الرهانات على متغيرات الحالة العربية لتعزيز نفوذها وتعميق الانقسام.