يوسف الكويليت
الوضع العربي ميّت دماغياً، وإنْ تحرك شبابه ليخرجوه من غرفة الإنعاش، فكلّ الثورات بدأت تأخذ مسارات تختلف من بلد لآخر، فالسكون في تونس لم يعط دلالات بأنه يؤسس لنظام جديد بانت ملامحه، وفي مصر لايزال الجيش والحكومة المؤقتة لا يمنحان فرصة ترتيب البيت الداخلي من أجل إزالة النواقص والتجاوزات التي خلّفها الحكم السابق، وقضية أن تحدث معجزات في التغيير، فذلك قفزٌ على الواقع، ورؤية ضبابية..
أما ليبيا واليمن، فهما من يتصدران الأزمة الحقيقية في نزاع لا يعرف أي مراقب أين يتجه، وهي المشكلة العويصة بمعناها المفتوح على كل الاحتمالات، ولذلك نجد ليبيا واقعة بين حصاريْن، السلطة وقوات الناتو، والأخيرة بدأت تدرك أن الحسم العسكري صعب ومعقد، وأن الدخول في ورطة طويلة يرشح هذه القوات إلى خيارات مختلفة، وقد بادرت تركيا بالدخول على خط الأزمة لحلها بالتوافق، ثم جاءت مبادرة أخرى من الدول الأفريقية بغية إنقاذ الموقف من خلال ضوء أخضر من أمريكا وأوروبا، غير أن الغياب العربي التام عن إيجاد بديل موضوعي صار مستحيلاً لأن الدول العربية أو معظمها هي من طالب بقوة دولية لحماية الشعب الليبي من تصرفات زعيمه الأحمق..
اجتهدت دول الخليج العربي في وساطة بين الرئيس اليمني علي عبدالله صالح والمعارضة، ولا تزال تراوح بين النجاح والفشل، ولعل تعادل القوة بين المؤيد والمعارض للحكومة خلق حالة يصعب حلها، أو تفكيك وضعها بما يتناسب وإيجاد أرضية للحوار والتفاهم على وسيلة لإنقاذ اليمن، والمخاوف أن تخرج القضية من إطارها الداخلي لتتحول إلى صراعات إقليمية ودولية بأدوات خارجية، وتنفيذ يمني..
الدور العربي لن تكون له الفاعلية، لأنه امتحن أمام أكثر من قضية وعجز عن حلها في فلسطين والعراق، والسودان والصومال وغيرها، حتى إنه لا توجد جبهة لديها إمكانات الفصل بين الخصوم ليس فقط لإبراز دور ما، ولكن لإدراك أن الأمن العربي برمته، في حالة اضطراب وانتقال إلى مجهول..
فقد غابت قضايا حيوية كثيرة أمام زخم الثورات المتصاعدة، حتى إن الشك بإدارة الواقع الجديد، عكس مدى الضعف العربي، وإن أسسه ليست ثابتة، حتى إن الدعوة للقاءات على المستوى الوزاري في الجامعة العربية، تركت بصمة سلبية، لأن القرار تحول إلى جهات أخذت كل الدور العربي، وحتى الآمال بأن ولادات جديدة لعناصر تدير حكومات الثورة، باتت بلا خطط ولا مرتكزات تحتوي سلطة الشارع، بل ما يخشاه المواطن العربي أن تنقلب هذه الثورات إلى فوضى طويلة؛ بحيث تصبح الأرصدة المالية تذهب أو تُستهلك لاحتياجات سريعة مما يهددها بإفلاس خطير قد يقود إلى حالات أمنية معقدة، وخاصة التي لا تمتلك القاعدة الأمنية سواء الجيش أو الشرطة ما يوسع دوائر الخلاف التي قد تتسبب بفوضى مدمرة..