عبيدلي العبيدلي
في العديد من بلدان العالم الثالث، ومن بينها دول مثل مملكة البحرين، حيث التجارب الديمقراطية ما تزال في مراحلها الجنينية، غالباً ما تلجأ الدولة لحل النزاعات بينها وبين أطراف المعارضة إلى السياسات الأمنية. وتثق الدولة في كفاءة الحلول الأمنية، وترتاح لها، نظراً للسرعة التي تعود خلالها الحياة إلى مجاريها الطبيعية، واضطرار المعارضة تحت الظروف التي ولدتها الحلول الأمنية إلى الانسحاب من الساحة من أجل المحافظة على قواها الذاتية أولاً، وتحاشي دفع فواتير غير ضرورية باهضة الثمن، لم يأتِ أوان تسديدها من جهة ثانية. ورغم كل المضايقات الفردية والجماعية التي أفرزتها إجراءات laquo;قانون السلامة الوطنيةraquo;، التي طبقت في البحرين إثر الأحداث الأخيرة، لكن المواطن البحريني ما يزال يجاهد، باذلاً قصارى جهده من أجل التأقلم معها، وتفهم تداعياتها، لا لسبب أكثر من حرصه على استتباب الأمن وأمله في عودة الحياة إلى ما كانت عليه قبل تلك الأحداث. يدرك المواطن البحريني أن الظروف الطارئة تقتضي من الدولة اللجوء إلى الأمن، مرغمة على ذلك، وكما يقول المثل الدراج laquo;مكره أخاك عليها لا بطلraquo;. لكنه لا يفقد الأمل، بل ويتمسك به، في أن يكون أجل تلك الإجراءات قصيراً، وفترة تطبيقها محدودة بالأشهر الثلاثة فقط.
ولا يستطيع أحد أن ينكر أن الحلول الأمنية تنغص اليوم، على المواطن حياته، إذ تنعكس بشكل سلبي على الممارسات اليومية للأفراد، وتطال في سياق تنفيذها نسبة عالية من أنشطة المؤسسات الاقتصادية من حكومية وغير حكومية. باختصار تفرض الحلول الأمنية شروطها على أنماط الحياة الاعتيادية، ويقود ذلك بالضرورة إلى إشاعة أجواء يسيطر عليها الهلع، وانعدام الثقة بين أطراف الصراع. لذلك نجد المواطن، حتى وهو في قمة تقبله للحلول الأمنية لا يكف عن التطلع باحثاً عن الحلول السياسية المناسبة التي في وسعها انتشاله، بشكل كامل ودائم من الحالة الأمنية إلى تلك السياسية، انطلاقاً من القناعات الراسخة التالية:
1. إن الحلول الأمنية مؤقتة بطبيعتها، إذ تلجأ إليها الدولة في مرحلة تأزم العلاقات التي تحكمها مع مواطنيها، وفشل الروابط السياسية القائمة حينها في تذليل الصعاب، وإذابة الجليد الذي يحول دون وصول أطراف الصراع في المجتمع إلى تسويات حضارية مشتركة، مستمدة من قدرة القنوات التي تنظم العلاقات بين الدولة والمواطن على تقنين أوجه الصراع، وحصره في نطاق تلك القنوات التي تمارس، حينها، دور صمامات الأمان التي تحول دون انفجار الصراعات، وانتقالها من الطرق السلمية المقبولة، إلى تلك العنيفة المرفوضة.
2. إن الحلول السياسية وحدها، وكما أثبتت تجارب دول العالم المتحضرة، هي القادرة دون سواها على امتصاص الاحتقانات بين الدولة والحركة السياسية المعارضة. كما أنها وحدها أيضاً التي تمتلك التحول من مجرد علاجات آنية محصورة في أعراض تلك الاختلافات، إلى برامج تتناول الأسباب المؤدية للتوترات، وتعمل على إزالة عواملها. ومن هنا فبقدر ما تعجز الحلول الأمنية، نظراً لآنيتها ومحدوديتها، في درء الأخطار المهددة لاستقرار المجتمع، وتحصينه ضدها، نجد أن الحلول السياسية، تمتلك كل مقومات الصمود والاستمرار في وجه إمكانات عودة الأسباب المفجرة للأزمات، والحئول دون بروزها أو تكررها.
3. بخلاف الحلول الأمنية التي تبحث عن السلبيات فتعمل على إبرازها كي تمهد الطريق أمام نفسها، وتبرر لجوء مؤسسات الدولة ذات العلاقة لتلك الحلول، نجد أن الحلول السياسية تجهد نفسها في البحث عن تلك الجوانب الإيجابية فتعمل على رعايتها أولاً، وتنميتها ثانياً، من أجل الاستفادة منها في تعزيز حضورها في تمهيد الطريق بين المعارضة من جهة، ومؤسسات الدولة من جهة ثانية.
من أجل كل ذلك، يتطلع المواطن البحريني اليوم نحو دولته، مناشداً إياها أن تقصر، قدر المستطاع من فترة العمل بالحلول الأمنية، وأن تحث خطاها من أجل رحلة العودة إلى الحلول السياسية، وهو في هذه المناشدة، يعد بأن لا يقف في صفوف المتفرجين، بل يبدي استعداده، كما دأب على ذلك دائماً، كي يشارك في عملية التحول هذه، من خلال تمسكه بالروح الإيجابية البناءة التي احتضنها مشروع الإصلاح السياسي، ثم جاءت الإجراءات اللاحقة التي تبعته من دستور ومؤسسات تشريعية، كي تثبت من دعائم ذلك التحول السلمي نحو المجتمع المدني المتطور الذي تحتضنه أطر المملكة الدستورية
التعليقات