عبداللطيف الزبيدي

السؤال: ما سرّ غياب القرار السياسيّ في العالم العربيّ؟ كل القضايا الحسّاسة المصيرية في هذه الأمّة تحتاج إلى قرار سياسيّ ينتشلها من القرار السحيق، لكنه يظل الضمير المستتر الذي لا يظهر . أمّا في الأمور السطحية الهامشية التي لا أهمية لها، فالقرار السياسيّ يطلع كالمارد من القمقم بأسرع من جناح الجن .

بلمسة زر تقام جسور جويّة لنقل مشجعي كرة القدم، ويهدر قاموس الوطن والإصرار على الانتصارات . لكن عندما يُعتدى على شعب عربيّ يتغيّر المعجم بقدرة من لا قدرة له، فإذا المطلوب حقن الدماء، فضّ النزاعات بالطرق السلمية، اللجوء إلى الأمم المتحدة إلخ . يصبح انتظار صدور القرار السياسيّ أشدّ حماقة ممّن يمخض الماء ويرجو الزبدة .

غياب القرار السياسي والإحجام عن اتخاذه في جميع الميادين الحيويّة، لغزان لاحلّ لهما على ما يبدو . ولهذا تحتاج البلدان العربية إلى إعادة اختراع العجلة . فالبرهان قاطع على وجود مشكلة في العقل وطريقة التفكير العربيين . النقد الذاتي غائب، ودم الأمّة رائب . القرار السياسي متجمد عند الصفر المطلق، وصدور الناس مثل قلب الشمس .

إذا كانت المواقف السياسية تحكمها توازنات معقدة، رغم رؤيتنا الدنيا ldquo;تطربقrdquo; على أدمغة الشعوب واحداً تلو آخر، فهل محو الأميّة مرتبط بمعادلات سياسية دوليّة؟ هل غاب عن النظام العربيّ أن الأميّة تؤدي إلى الفقر، وأن الفقر يؤدي إلى المرض وبقية الحلقة المفرغة في غياهب التخلف؟

ما الذي يجعل تغيير نظم التعليم أمراً صعباً على مرّ العقود؟ ما الذي يمنع البلدان العربية من بناء اقتصادات منتجة وصناعة قويّة متطوّرة وتحقيق اكتفاء ذاتي في الزراعة والقضاء على الأمّية، وتخريّج جيل من الكفاءات والطاقات الخلاقة في جامعاتها ومعاهدها .

ما هو المستقبل الذي ينتظر العالم العربيّ الذي يعاني فجوة غذائية كارثية، ولا يملك ولا حتى واحداً من أهم خمسة آلاف منتج عالميّاً، وتكبّله الأميّة، وتحطم معنوياته أشكال العدوان الخارجيّ؟ كل هذه الأمور تصب في قرار سحيق واحد هو غياب القرار السياسي، الذي أصبح كالعنقاء تسمع بها ولا تراها . لكن، علينا ألاّ نيأس من روح الله، فالعنقاء عند العرفاء ترمز إلى الإنسان الكامل . قولوا آمين .