خيرالله خيرالله

هل يتحسّن الوضع في تونس نتيجة quot;ثورة الياسمينquot; التي اطاحت نظام الرئيس زين العابدين بن علي وعائلته، او على الاصح عائلة زوجته السيدة ليلى طرابلسي؟ الجواب، بعد ثلاثة اشهر من خروج بن علي من تونس، ان تونس يمكن ان تكون سائرة في الاتجاه الصحيح، اي في طريق التحول الى نظام ديموقراطي حقيقي على الرغم من ان التحديات التي تواجه البلد كبيرة، بل كبيرة جدا نظرا الى ان بعضها اقتصادي وبعضا آخر سياسي وبعضا اخير مرتبط بالوضع الاقليمي. فما لا يمكن تجاهله ان تونس على حدود ليبيا والجزائر. والى اشعار آخر، يظل الوضع الليبي مفتوحا على كل الاحتمالات، بما في ذلك تحول ما كان يُعرف بـquot;الجماهيريةquot; الى قاعدة لـquot;القاعدةquot;. اما بالنسبة الى الجزائر، فهناك مؤشرات توحي بانها مقبلة على مرحلة جديدة من عدم الاستقرار في ظل المشكلات العميقة التي يعانيها النظام الذي لم يستطع اصلاح نفسه من جهة والهوة السحيقة بين المواطن العادي والفريق المستحوذ على السلطة والثروة في آن من جهة اخرى.
ما يدعو الى قليل من التفاؤل في تونس تحديد موعد للانتخابات النيابية في الرابع والعشرين من تموز المقبل. وستجري الانتخابات حسب قانون عصري يؤكد اول ما يؤكد حقوق المرأة ورفض التفريط بما حققته منذ الاستقلال في العام 1956. الاهمّ من ذلك، ان القانون الانتخابي يكرس التعددية الحزبية في بلد يحتاج مواطنوه الى تنشق نسائم الحرية في غياب حلول سحرية للمشكلات الاقتصادية على رأسها البطالة.
قد يكون التحدي الاقتصادي في طليعة التحديات التي تواجهها تونس ما بعد الثورة الشعبية التي احتاجت شهرا فقط لاجبار بن علي وزوجته على الرحيل عن قصر قرطاج. فما لا بدّ من الاعتراف به هو ان الاقتصاد التونسي تلقى ضربة قوية نتيجة توقف عجلته نحو ستة اشهر. ادى ذلك الى هرب الرساميل من البلد والى توقف الاستثمارات الاجنبية والى مزيد من البطالة. فضلا عن ذلك، حصل تراجع كبير في المجال السياحي الذي كان يوفّر فرص عمل كثيرة. وستحتاج تونس الى سنوات كي تعود بلدا يستقبل ما يزيد على سبعة ملايين سائح في السنة. وربما كان اوّل ما ستحتاج اليه تونس في الفترة المقبلة هو الامن، نظرا الى انه كان عنصرا مهما ساعد الى حد كبير في جذب الاستثمارات الاجنبية، خصوصا في مجال الصناعات التحويلية التي كانت احد اعمدة الاقتصاد في عهد بن علي. كذلك، شجع الاستقرار الامني القطاع السياحي ومجيء اعداد كبيرة من الاوروبيين الى تونس وحتى الاستقرار فيها.
لكن الحيوية السياسية التي تعيشها تونس حاليا يمكن ان تساعد في تجاوز مرحلة الركود الاقتصادي. ما يدعو الى بعض التفاؤل حنين الشعب التونسي الى الحبيب بورقيبة الذي حظي هذه السنة بتكريم لا سابق له منذ اطاحته في العام 1987. يظل بورقيبة، شئنا، ام ابينا، باني الدولة الحديثة في تونس. كان الرجل الاستثنائي، الذي مات فقيرا في السنة 2000 والذي كان زين العابدين بن علي يخشى من جنازة شعبية له، وراء ترسيخ دولة المؤسسات والقوانين العصرية. كان وراء الانفتاح على العالم وعلى كل ما هو حضاري فيه. كان له الفضل الكبير في نهوض المرأة التونسية ووصولها الى المساواة مع الرجل. كان ايضا رجلا منطقيا حاول اعادة العرب الى رشدهم عندما غرقوا في اسر الشعارات الطنانة. لا يزال خطابه في اريحا في العام 1966 مثالا على الجرأة والقدرة على استشفاف المستقبل بدل السقوط في فخ المزايدات التي جرّت الى حرب 1967 والى الوضع العربي الراهن حيث كلام لا معنى له عن مقاومة وممانعة باستثناء ان الشعارين يستخدمان لتغطية عملية تدمير المجتمعات العربية من داخل عن طريق اثارة الغرائز المذهبية ليس الاّ.
لعلّ أجمل ما في العودة الى البورقيبية ان التونسيين يعون ان للرجل اخطاءه التي دفعت الى إبعاده عن الرئاسة في العام 1987 بعدما تقدم به العمر وصار عاجزا عن ادارة شؤون الدولة. كان الامل وقتذاك كبيرا بان يؤدي ذلك الى تطوير التجربة التونسية عن طريق التعددية الحزبية. لكن شيئا من ذلك لم يحصل للاسف الشديد. لا شك ان تونس في عهد بن علي حققت تقدما على الصعيد الاقتصادي، لكنّ لا مفر من الاعتراف بأن الحياة السياسية فيها تجمّدت. كان التونسيون في حاجة الى الحرية كي يشعروا ان في استطاعتهم التغلب على المصاعب اليومية للحياة في ظلّ نظام كان يتأكّل من داخل بسبب الفساد.
يمكن ان تساعد العودة الى الجانب المضيء في البورقيبية في جعل الثورة التونسية محطة على طريق مستقبل افضل. يمكن ان تساعد تلك العودة المجتمع التونسي على التمسك بالقوانين العصرية المعمول بها في البلد ومواجهة الاحزاب الدينية التي يمكن ان تعود بتونس سنوات الى خلف، اي الى التخلف. في كل الاحوال، ستكون الانتخابات امتحانا للتونسيين ولقدرتهم على متابعة معركة بناء الدولة العصرية التي اسسها بورقيبة والتي مكنتهم من مواجهة العواصف التي مرت وستمر على الجارين الجزائري والليبيي.