عبدالمنعم الاعسم

 الاعلان رسميا عن الدخول في حوار مع اعضاء في حزب البعث او جماعات من ldquo;المقاومةrdquo; المسلحة لجهة القاء السلاح والانخراط في العمل السلمي ليس جديدا، لكن الجديد، كما يظهر من تصريح وزير الناطقية الحكومية، الوضوح في وجهة التفاوض وتلمسه المصدات الدستورية والتقرب من تسمية الاشياء باسمائها.

ومن داخل هذا الاستنتاج يؤكد الوزير علي الدباغ أن ldquo;الحكومة لا تتحدث مع حزب البعث كمنظمة أو حزب إنما مع أفراد يسعون للاشتراك في العملية السياسية.. وهو موضع ترحيب من قبل الجميعrdquo; وينكشف التطور في الموقف الحكومي من خلال الاشارة الى ان الحكومة ldquo;ليست لديها مشكلة بانتماء الأشخاص لحزب البعث سابقا والذين يشعرون بأنهم منتمون لهذا الوطنrdquo;.

وتنكشف اللغة الجماعية التي استخدمها الناطق الحكومي في التعامل مع هذا الموضوع الخطير عن اتجاه سليم يجنب الخطوة من محاذير الشخصنة ومحاولات اختزالها الى فاصلة في التجاذبات السياسية بين فرقاء العملية السياسية إذ قال: ldquo;الجميع سيرحب بهم ولا توجد أي مشكلة مع أي شخص بسبب انتمائه لحزب البعث أو غيرهrdquo;.

سلامة هذه الخطوة، المتأخرة في الواقع، تأتي من سلامة الهدف المعلن وهو انهاء التمرد العسكري وفسح المجال امام الجماعات التي تعارض الحكومة والسياسات المعلنة لكي تعبر عن رأيها ومواقفها بحرية وعبر الاشكال السلمية الدستورية، واحسب ان الذين يعارضون هذه الخطوة من داخل العملية السياسية انما يعارضون انهاء حالة التجييش والاستنفار الامني والتحول الى اعادة البناء والحياة المدنية، وانهم لا يزالون يراهنون على كفاية الردع الامني في استئصال الارهاب بالرغم من مرور ثماني سنوات على هذا الردع المكـْلف في الارواح والاموال.

ويمكن للمراقب ان يجزم بان لبعض معارضي هذا الحوار والساعين الى احباطه والحيلولة دون توسيعه ودفعه قدما وإنجاحه (من داخل العملية السياسية وفي صفوف الجماعات المسلحة) مصلحة في استمرار الحالة الامنية الكارثية، وفي حشر حياة الملايين في دوامة الطوارئ والتعبئة والفوضى والقتل اليومي، ويمكن القول ان هذه المجموعات لن تقف متفرجة بل ستعمل المستحيل لاطالة امد الحالة الامنية المضطربة وستضع في طريق هذه الخطوة حجارة وعراقيل وربما تظاهرات مليونية.

على انه من السذاجة الاعتقاد بان خطوة الحوار والتفاوض لإنهاء التمرد المسلح في البلاد وتفكيك المشروع الارهابي وبدء عهد البناء والتطبيع والتنمية السياسية السلمية يمكن ان تنجح بمجرد الاعلان عن بدء لقاءات بين ممثلي الحكومة واعضاء في حزب البعث، فان الحالة المتوترة والمتناحرة في داخل العملية السياسية واجواء المزايدة وتصفيات الحساب وعض الاصابع وانعدام الثقة ورصد الاخطاء والعثرات تشكل جميعا عامل احباط وتشويش وتأليب، قد تنجح، كما نجحت سابقا، في اغتيال هذه الخطوة في مهدها.. وثمة ما تبقى للنيات والسرائر.

لكن، على الرغم من صواب وسلامة (وضرورة) مناقشة البعثيين (تنظيمات وافراد) من قبل الحكومة والعملية السياسية في العراق بغرض انهاء العنف والانتقال الى عهد السلام الاهلي فان الصراحة تفرض القول بان البيئة والظروف وأهلية الطرفين ومؤشرات قناعتهما بجدوى هذه المناقشة غير متوفرة حتى في ما يقال عن النيات، فضلا عن عدم توفر التصور والقراءات لمسار وسقوف الحلول المطروحة.

الى ذلك فثمة استدراكان مهمان يعترضان هذا السياق من المعالجة، الاول، ان غياب لوازم المناقشة بين quot;خصمينquot; هما الحكومة والبعثيين، لا تمنع من البدء بالخطوة الاولى التي تستهدف (كما في الكثير من حالات الحوار بين الخصوم السياسيين) جس النبض واستكشاف النيات، ويبدو ان هذا ما حدث منذ ايام حين ظهرت اشارات اولية عن لقاءات جرت بين محسوبين على حزب البعث ومحسوبين على كابينة رئيس الوزراء، والثاني، ان هذه اللقاءات المبكرة قد تسفر فعلا عن قرار يتخذه عدد من المسلحين او جماعات صغيرة من quot;المقاومةquot; بالقاء السلاح، وقد نصدّق ما قيل عن استعداد 700 مسلح لالقاء سلاحهم في غضون الاسابيع المقبلة، مقابل مؤشرات وفيرة ومعلنة عن استمرار التخندق في اوهام قديمة لدى كل طرف (او لدى مراكز تابعة لهما) بسحق الطرف الآخر وتسويته بالارض.

في طرف حزب البعث، لا شك في وجود افراد وكوادر وتجمعات صغيرة ترى انه لا مفر من المناقشة والقاء السلاح وانهاء اوهام المقاومة المسلحة فيما هناك تبعثر وتناحرات ومزايدات واتهامات بالغش والخيانة والعمالة بين فلول الحزب ، بجانب مواقف متشبثة بجعجعة السلاح ورطانات المقاومة وتكفير المراجعة وتبشيع الاعتراف بالخطايا والتمسك بتجربة الحكم السابقة (ورموزه)الكارثية، الامر الذي يحول دون انتقال هذا الطرف، موضوعيا، الى فضاء الايجابية الوطنية والبحث عن سبل سلمية واشكال منتجة وجديدة للعمل السياسي، بالافادة من ظروف وحقائق وهوامش الوضع الجديد.

وفي الطرف الثاني، الحكومة ومكوناتها، ثمة ممن لا شك في رغبته بفتح ملف المناقشة وايصالها الى نتائج ملموسة، فيما يتوزع الموقف العام من فكرة مناقشة البعثيين بين النظرة الموسمية، والاضطرار الخجول، والمعارضة الشرسة، والتشوّش الطائفي الانتقامي، بموازاة بيئة محبطة داخل العملية السياسية يحوّل فيها المتصارعون على السلطة ملف الحوار مع البعث الى ورقة ابتزاز وضغط وتصفيات حساب مع بعضهم، والغريب، ان اكثر المتحمسين لرد الاعتبار للبعثيين والمتعاطين مع فلولهم ينظر بريبة الى محاولات مد الجسور اليهم من قبل الحكومة.

بصراحة، لا يصح الافراط بالتفاؤل عن قرب طي صفحة التمرد المسلح في العراق، فثمة خيوط للقضية موزعة خارج رغبة السلام والمسالمين، بين قطيع منفلت بلحى وبدشاديش قصيرة، ودول تستخدم الساحة العراقية في حروبها الخاصة.

وبصراحة اكثر، التفكير في المستقبل لا يزال، كما يبدو، ممنوعا.

*

ldquo;ايها النوم.. انك تقتل يقظتناrdquo;.

شكسبير

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

جريدة(الاتحاد) بغداد