ياسر الزعاترة

بعد أسابيع قليلة من الجدل الإسرائيلي العاصف الذي أداره معهد الحوار الإستراتيجي في الكلية الأكاديمية في مدينة نتانيا حول دور الجزيرة في الثورات العربية، ونظرته المتطرفة لمخاطر المحطة على إسرائيل (اعتبرها تشكل تهديدا وجوديا)، ها هو أحد المليارديرات اليهود يستجيب لنداء المؤتمر على ما يبدو فيقرر إطلاق فضائية لمنافسة الجزيرة.
قد يبدو الأمر محض نكتة، لكنه ليس كذلك في واقع الحال، ففي مؤتمر القيادات اليهودية السنوي الذي عقد في الولايات المتحدة مطلع هذا الشهر، أعلن الملياردير اليهودي الروسي الأصل ألكسندر مسكوفيتش عن نيته إقامة محطة إخبارية عالمية مثل الجزيرة و laquo;البي بي سيraquo; تبث باللغات الإنجليزية والعربية والفرنسية والإسبانية، وذلك لكي laquo;تقول الحقيقة فقطraquo;، لأن القنوات الأخرى لا تكشف الحقائق، ما يؤدي برأيه إلى خسارة الحرب laquo;على صورة إسرائيل أمام الرأي العام العالميraquo;.
بدوره رأى رئيس المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة مالكوم هونلاين أن إقامة شبكة إعلامية كالجزيرة أمر ضروري، وكشف أنه التقى مسؤولين إعلاميين أجانب من أجل التعاون بينهم وبين الحكومة الإسرائيلية.
وفيما سنكون في انتظار الفضائية العظيمة (اليهودية الغربية هذه المرة)، فلنا أن نتذكر مسلسل المنافسة الذي تعرضت له الجزيرة منذ سنوات، وما ستتعرض له خلال المرحلة المقبلة، وهو مسلسل بدأ بمحطة laquo;العربيةraquo; ذات التمويل الخليجي، والتي صمدت ولا زالت تنافس حتى الآن، مع بقائها في المرتبة الثانية بنسبة بعيدة عن الجزيرة، إضافة إلى أكثر من محاولة مصرية لم تسجل نجاحا خارج مصر، مع أن نجاحها في الداخل كان محدودا أيضا.
نتذكر في هذا السياق محطة إسرائيلية عربية laquo;فضائية الشرق الأوسطraquo; أنشئت مطلع الألفية الجديدة ولم تعمّر طويلا (أغلقت في العام 2003). كما نتذكر فضائية laquo;الحرةraquo; الأميركية التي انطلقت عام 2004 بعد احتلال العراق، وما زالت تعمل بحضور أكثر من هامشي. ولا خلاف بالطبع على أن منافسة الجزيرة قد حضرت كهدف من أهداف إنشاء المحطة، إلى جانب الأبعاد الأميركية الخاصة (تسويق أميركا ومواقفها بين العرب)، الأمر الذي ينطبق على مجموعة من المحطات التي جمعت بين البُعدين، منافسة الجزيرة وتسويق مواقف الدول التي تنتمي إليها، وفي مقدمتها بالطبع laquo;البي بي سيraquo; العربية التي سجلت بعض الحضور نظرا للخبرة الكبيرة للمحطة الأم وإذاعتها الشهيرة الناطقة بالعربية، وإن لم تنافس بحال محطة الجزيرة، الأمر الذي ينطبق على محطة laquo;فرانس 24raquo;، التابعة لفرنسا، و laquo;روسيا اليومraquo; الروسية.
لم تتوقف حمّى مطاردة الجزيرة أو منافستها تبعا لازدياد تأثيرها بين مرحلة وأخرى فقط، بل أيضا بسبب تصاعد سخونة الأحداث في المنطقة، وها هي المحطة اليهودية تأتي في ذات السياق، سبقتها محطة أخرى لم نعرف اسمها وهي الآن في مرحلة التحضير، أعني محطة الوليد بن طلال الذي قال إنها ستستلهم تجربة محطة laquo;فوكس نيوزraquo; الأميركية و laquo;سكاي نيوزraquo; البريطانية.
لسنا في حاجة إلى الكثير من الذكاء وحاسة التحليل والتنبؤ لكي نقول إن مصير الفضائية الجديدة (ينطبق هذا على فضائية الوليد) لن يختلف عن الفضائيات الأخرى الممولة من الدول الغربية، وإذا كان مصير laquo;الحرةraquo; هو ذلك الحضور الجد هامشي، وهي التي تنتمي إلى الولايات المتحدة ذات التاريخ العدائي مع الأمة، فإن فضائية يمولها ألد أعداء الأمة على الإطلاق، وتهدف إلى تبييض صفحة دولتهم المحتلة والدفاع عنها لن يكون مصيرها سوى مصير فضائية laquo;الشرق الأوسطraquo; اليهودية (العربية) التي حاولت التركيز على عرب 48، فضلا عن العرب عموما ولم تفلح بأي حال فكان مصيرها الإغلاق، مع أن مسألة الإغلاق غالبا ما ترتبط بالبعد التمويلي أيضا، وليس بقضية النجاح وحدها، لاسيما أن المنتفعين من ورائها لن يعترفوا بالفشل في معظم الأحوال.
والحال أن نجاح الجزيرة ليس سر الأسرار، لاسيما إذا استبعدنا مسألة التمويل السخي الذي حضر عند سواها من دون نجاح المنافسة (العربية مثالا)، فهي نجحت لأنها عبرت عن هواجس أبناء الأمة من دون الخوف من تهمة الانحياز، وإن بدرجة أقل مما عبرت laquo;فوكس نيوزraquo; عن القومية الأميركية أو laquo;سكاي نيوزraquo; عن القومية البريطانية، فكيف يريد هؤلاء وهؤلاء أن ينافسوها فقط بالإمكانات العادية، فضلا عن يأتي ألد أعداء الأمة لكي يفعلوا ذلك؟! مع أن ألف محطة ومحطة لا يمكنها تغيير نظرة العرب والمسلمين للكيان الصهيوني (لا ينطبق ذلك على المحطات الناطقة باللغات الأخرى بالنسبة لغير العرب والمسلمين).