ياسر الزعاترة

لم نكن في حاجة لوثائق ويكيليكس حتى نعلم حجم الضيق الأميركي بقطر والجزيرة، فالأمر أكثر وضوحا من أن يحتاج إلى أدلة، والمأزومون وحدهم هم من ينكرون ذلك، لكن جوليان أسانج، مؤسس موقع ويكيليكس كان كريما في المعلومات التي منحها لأحمد منصور يوم الأربعاء الماضي.
بحسب أسانج، فإن من بين الوثائق التي بحوزته 17 ألف وثيقة يُذكر فيها اسم قطر، ومن المستبعد بالطبع أن يأتي أكثر ذلك في معرض المديح، لاسيما أن الوثائق تغطي المرحلة التالية لعام 2004، وهي مرحلة كانت الجزيرة فيها موجودة وفاعلة، كما أن الحضور القطري خلالها (من حرب يوليو 2006، إلى حرب الرصاص المصهور) كان كبيرا، بل كبيرا جدا.
هذا الحضور الكبير ليس غريبا بحال، لكن ما يلفت الانتباه، وإن لم يكن مفاجئا بالنسبة إلينا كمتابعين للشأن السياسي، هو أن من بين الوثائق المشار إليها ليس ثمة سوى ثلاثة آلاف وثيقة صادرة من السفارة الأميركية في قطر، بينما الباقي من دول أخرى، فماذا يعني ذلك؟
إنه يعني بكل بساطة أن التحريض على قطر، أكان بسبب سياستها الخارجية الخاصة، أم بسبب الجزيرة كان يأتي بالدرجة الأولى من خارج قطر، وبالضرورة من الدول العربية، بخاصة المنتمية منها إلى محور الاعتدال وفي مقدمتها الشقيقة الكبرى.
هنا تنقسم عمليات التحريض كما يمكن للمراقب أن يستنتج إلى قسمين، أولهما المتعلق بالجزيرة التي نقلت بعض الوثائق أنها أداة مساومة بيد قطر في سياستها الخارجية، الأمر الذي نفاه مديرها، وفي هذا السياق كشف أسانج أن المدير العام وضاح خنفر قد ذُكر بالاسم في حوالي 500 وثيقة، ربما في سياق التحريض عليه والتذكير بخلفيته السياسية والفكرية.
لا خلاف بالطبع على أن الجزيرة كانت طوال الألفية الجديدة مصدر إزعاج لعدد من الأنظمة العربية، ومكاتبها التي أغلقت في عدد من الدول شاهد على ذلك، فضلا عن الحملات الإعلامية المتواصلة عليها، ذلك أننا إزاء أنظمة تعتبر مجرد نشر الأخبار الصحيحة تحريض عليها، لسبب بسيط يتمثل في أنها في واد وجماهيرها في واد آخر، ولا يتعلق الأمر بالسياسة الداخلية، بل بالسياسة الخارجية أيضا، والتي تبدو أكثر أهمية بالنسبة لعدد من تلك الدول.
لكن الجزيرة ليست مصدر التحريض laquo;القطريraquo; الوحيد، إذ هناك القسم الثاني ممثلا في السياسة الخارجية لقطر، والأمر هنا يتعلق بالولايات المتحدة من جهة، وبالدول العربية من جهة أخرى. إذ ترى الأولى على سبيل المثال في الجزيرة عنصر تحريض على سياساتها في المنطقة، كما ترى في السياسات القطرية عنصر تخريب عليها أيضا، ولا يغير في حقيقة الأمر وجود قاعدة أميركية في قطر (نعارض بالطبع وجود قواعد عسكرية أميركية في أية دولة عربية).
لقد كانت الجزيرة وقطر مصدر قلق للسياسات الأميركية في سائر المنطقة، وإذا كان الكيان الصهيوني هو الأقرب إلى واشنطن، ومفتاح رضاها، فإن الجزيرة وقطر كانتا على النقيض، من حرب يوليو 2006 إلى حرب الرصاص المصهور، إلى الحصار الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني، إلى سياسات التسوية وسواها.
مطلوب من الجزيرة أن تكون مثل laquo;العربيةraquo;، وهو ما كشفه أسانج بالقول إن ثمة وثائق تؤكد أنها أنشئت لمنافسة الجزيرة، ومطلوب من قطر أن تكون مثل محور الاعتدال العربي، ولما كانت تقف في المربع الآخر، فمن الطبيعي أن تصنف عنصر تهديد للمصالح الأميركية الإسرائيلية.
بالنسبة للدول العربية كانت الجزيرة فاضحة لسياسات عدد منها على الصعيد الداخلي، فيما كانت السياسات الخارجية القطرية تفعل ذات الشيء، إذ كيف لهذه الدولة الصغيرة أن تتبنى سياسات أكثرها مستقل وفيه مصلحة للعرب، بينما تتورط الدول العربية الكبيرة في سياسات معاكسة؟!
من هنا نفهم لماذا جاء الشِق الأكبر من التحريض من خارج قطر، الأمر الذي يعلم الجميع مصدره ممثلا في الدول العربية كما أشرنا من قبل، وإن كان بعضه قد جاء بالضرورة من دولة العدو التي تكره أن يكون من بين العرب من يقول لا، فضلا عن أن يقولها ويحرّض الآخرين على قولها.