عبدالسلام اليمني
عندما يصدر نظام أو تنظيم يمس تطوير حياتنا العامة، ندخل في معمعة لا حدود لها، وننقسم بين مؤيد ومعارض إما بسبب هشاشة ذلك التنظيم، أو سوء تطبيقه وعدم توفير العوامل البنيوية لنجاحه، أو لأسباب تخرج من ذاتنا نحن كمواطنين، ومقيمين شربوا من ثقافتنا وسلوكياتنا.
كلما خطونا خطوة تنظيمية نهدف من ورائها أن نكون مثل الآدميين في كوالالمبور، ولندن، وواشنطن، بل مثلما هم في عُمان والإمارات، نواجهها من دون حساب للعواقب بصيحات تؤرق المُشرّع والقائم على التنفيذ، وتحاصره حتى يشعر بالذنب، ثم نحييه على التخفيف والتنازل عن وعود قطعها ولا رجعة فيها!
صيحة ساهر هي امتداد للصخب الذي أصاب المجتمع عند رفع أسعار استهلاك الكهرباء، وبعدها جاءت صيحة ارتفاع أسعار بعض أنواع الأرز التي كانت ستفقدُنا شهية نكهة laquo;البسمتيraquo; لولا التدخل السريع لبارجة الإعانة، أعقبتها صيحات الأسمنت والحديد والبطالة، لحقتها صيحة ساهر، وأخيراً وليس آخراً صيحتا الشعير والأغنام. واجهتها هبةٌ لمعالجات وقتية نابعة من ثقافة حكومية لشراء المشاكل لا حلها ، بعيداً عن أُطر التخطيط الاستراتيجي والاقتصادي السليم، ولنا في حلول وزارة المالية في قضية الشعير القدوة غير الحسنة في التخطيط والنظرة بعيدة المدى، فقبل ثلاثة عقود كانت المملكة تستورد سنوياً ما يقارب المليون طن من الشعير، وتصاعد الرقم الاستيرادي حتى وصل حالياً إلى ما يقارب 7 ملايين طن، والإعانة تلاحق هذا الرقم طردياً حتى وصلت إلى حوالي 4 مليارات في العام الواحد؛ الاستهلاك يزيد من دون أن نبحث عن أسبابه ومصادره، والاستيراد على أشده يزداد عاماً بعد عام، وإعانة شراء المشاكل تطارد السفن والتجار، وlaquo;يا رب إنك تخلي لنا البترول وتطول في عمرهraquo;!
تراكمات الحلول laquo;البنجيةraquo; ستُطفئ صخب الصيحات مؤقتاً، لكن تداعياتها ستبقى تؤرق الوطن ومتخذي القرار سنوات طويلة، وستظهر آثارها السلبية في مستقبل ليس ببعيد، وأنتقل من ضحى الشعير إلى عشية ساهر، من علف البهائم إلى تنظيم حياة laquo;الأوادمraquo;، فأجزم أن الانضباط المروري هو مطلب، والجميع متفق على أهميته وفوائده، لكن شتان ما بين ما نرجو ونتمنى، وما تحركه الأحاسيس والعواطف وما نفعل على أرض الواقع، وكيف نتحول إلى العدوانية عندما تصطدم مصالحنا الذاتية بتنظيم عام حتى لو كان له مساس بسلامة أرواح الناس.
ظللت طوال الأشهر الثلاثة الماضية أبحث عن مَركبات ساهر التي تَعّودتُ على رؤيتها أشهر عدة فلم أرى لها أثراً شاركني العديد من الأصدقاء هذا الشعور، وما يعزز مصداقية بحثي، تلك العودة الطائشة لنسبة كبيرة من قادة المركبات في مدينة الرياض للسرعة الجنونية متجاوزين السرعات المحددة، وعاد للظهور بشكل ملفت قطع إشارات المرور، ومخالفة أنظمة السير والوقوف، ومعها ازدادت نسبة حوادث السيارات حسب مشاهدتي الميدانية، وتراجع تفاؤلنا بانحسار مذابح المخالفات المرورية، وبتنا قريبين جداً من العودة للمربع المروري الأول!
laquo;بحثنا عنك يا ساهر وينكraquo; قالوا حجموك أو laquo;فرملواraquo; سرعتك، أو جمدوك مؤقتاً، ومنهم من قال أنهم نقلوك إلى الدمام وجدة وأبها والقصيم لعدم توفر المركبات وأجهزة المراقبة والكفاءات البشرية؛ ومنهم من ذهب إلى أبعد من هذا وقال إن الثورات العربية دمرت مشروع ساهر، يا حظنا السيئ في الجغرافيا والتوقيت!
أعتقد أن الأسباب تنحصر في اتجاهين: الأول أن إدارة المرور ارتكبت خطأً لعدم إخراج مشروع ساهر للوجود بمنظومة متكاملة من النواحي الفنية والبشرية والميدانية والجزائية، فظهر المشروع مصاباً بهشاشة عظام المرور؛ والاتجاه الثاني: الإعلام بشكل عام وكتاب الرأي بشكل خاص، الذين تسببوا في قرب فناء ساهر لأنهم لاكوا المشروع laquo;لوكاًraquo;، وجلدوه جلداً، ثم علقوه على حبل المشنقة، ففقد الإحترام واهتزت صورته ومصداقيته لدى العموم، تراخت حماسة المسؤولين عنه ففقد الوليد قوتي الدفع الرسمية والشعبية، والنتيجة عودة للوراء ألمحها وأحسها ويتحدث عنها الكثير من الناس.
أتمنى وأتوسل ألا يكون مشروع ساهر أصبح في ذمة التاريخ المروري في بلادنا، وتجربة من التجارب الفاشلة التي مررنا بها وتنوء بها ملفاتنا وأرشيفنا الاقتصادي والاجتماعي، ستصيبنا مرارة الحزن إذا عادت laquo;حليمة المرورraquo; لعادتها القديمة.
raquo;شيّبناraquo; يا رجال المرور ونحن نبحث عن نظام مروري يوفر لنا الطمأنينة والثقة وحفظ حقوق الجميع، هَرِمنا ونحن نحلم بانضباط مروري ونظام صارم ودقيق يحكم شوارع المدن من خلال مراقبة حركة المركبات وضبط المخالفات بتقنية متطورة، ورجل أمن يتمتع بقيم وأخلاقيات المهنة، وعدالة فوق الجميع تنير لنا الطريق وتسعدنا بعد الخروج من منازلنا ولا تعيدنا إليها مهرولين مذعورين من شياطين الشوارع الذين عاثوا فيها فساداً وشكلوا صورة سلبية شوهت شوارع المدينة، وأوصلت خبيراً أجنبياً للقول، إنني بعد خروجي من منزلي في مدينة الرياض أعيش حالة رعب وخوف من موقف مفاجئ لا يخطر على بال أحد تتسبب فيه سيارة تستعرض laquo;بالتفحيطraquo; أو سرعة جنونية تذكرك بأهوال الإرهاب، وما أقسى أن تواجهك سيارة أجرم قائدها في قطع إشارة المرور فوضعك أمام مصير محتوم.
أرجو ألا نعود، أو نضطر إلى الهروب إلى الحملات التوعوية أو رسائل من أنذر فقد أعذر، لأنها من دون أنظمة صارمة ولوائح جزاءات رادعة، حبر على ورق، ولنسأل أنفسنا لماذا لم تؤتي ثمارها ثلاثة عقود مضت؟!
التعليقات