ناجي صادق شراب
تحدث الرئيس الأمريكي أوباما في خطابه الأخير عن استراتيجيات جديدة في العالم العربي، للوقوف على مضمون هذا الخطاب لا بد من وضعه في ثلاثة سياقات سياسية، السياق الأول وهو السياق الأمريكي، ففي الأساس أي خطاب سياسي لأي رئيس أمريكي يكون نابعاً وموجهاً من محددات ومنطلقات السياسة الأمريكية الداخلية، والرئيس أوباما ليس استثناء ممن سبقه من رؤساء، فهدفه الرئيس استرضاء جمهور الناخبين الأمريكيين، وإرضاؤهم وليس إغضابهم، فهو يدرك أنه نتاج هذا النظام الداخلي، سعياً للفوز ثانية في انتخابات الرئاسة التي اقتربت من مرحلتها الأخيرة، والسياق الثاني هو السياق ldquo;الإسرائيليrdquo; ببعده الداخلي المتمثل في دور اللوبي الصهيوني، وما تمثله ldquo;إيباكrdquo; من قوة ونفوذ وتأثير في السياسة الأمريكية الداخلية وتحكمها في عنصر المال في الانتخابات الأمريكية وخصوصاً الرئاسية والكونغرس .
وكما يقال، المال لبن السياسة الأمريكية، واللوبي الصهيوني هو جزء ومكون رئيس في السياسة الأمريكية الداخلية، وحدود هذا اللوبي لا تتوقف على المال بل على التأثير في أصوات أكثر من ستين مليوناً من المسيحيين الأصوليين، وهو رقم يحدد مصير أي رئيس أمريكي، ولا يمكن لأوباما أن يتجاوزه، والسياق الثاني المرتبط بالسياق الأول ارتباطاً تحالفياً عضوياً هو السياق ldquo;الإسرائيليrdquo;، فrdquo;إسرائيلrdquo; رغم كونها دولة ولها رؤيتها لأمنها وللسلام الذي تريده، فهي في الوقت نفسه تعتبر أحد مكونات قضايا السياسة الداخلية الأمريكية، وهو ما يفسر لنا علاقة التحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وrdquo;إسرائيلrdquo;، ولذا فكل رئيس أمريكي لا بد أن يلقي خطاباً أمام ldquo;إيباكrdquo;، ليقدم ويؤكد ولاءه وتعاطفه وتأييده لrdquo;إسرائيلrdquo;، وهو ما فعله الرئيس أوباما الذي ألقى خطاباً مباشراً أمام هذا اللوبي بعد خطاب الاستراتيجيات، الذي أكد فيه التزام الولايات المتحدة بأمن وبقاء ldquo;إسرائيلrdquo;، وتكرر هذا الالتزم حوالي 23 مرة .
وهنا نحتاج إلى تفسير وتوضيح سريع لما يعنيه هذا الالتزم، أولاً يعني التطابق في الرؤى الأمريكية مع الرؤى ldquo;الإسرائيليةrdquo; في كل ما يتعلق بقضايا الأمن والسلام والدولة الفلسطينية، وهو ما يعني عدم وجود أي اختلاف في الموقف الأمريكي عن ldquo;الإسرائيليrdquo; في ما يتعلق بالدولة الفلسطينية أو عودة اللاجئيين وحتى القدس، وغيرها من القضايا الرئيسية، والأمر الآخر الالتزام بأمن ldquo;إسرائيلrdquo; يعني ضمان تفوق ldquo;إسرائيلrdquo; على ما دونها من دول عربية وإقليمية، وأن التفكير في حرب ضد ldquo;إسرائيلrdquo; هو حرب ضد الولايات المتحدة، ولذا ليس مستغرباً ولا مفاجئاً هذا الموقف الذي أبداه الرئيس أوباما في ما يتعلق بالدولة الفلسطينية التي ينبغي أن تكون عبر التفاوض، وعبر موافقة ldquo;إسرائيلrdquo; وليس عبر الأمم المتحدة . وهنا الولايات المتحدة أمام حالة غير مسبوقة، وغير متوقعة، وليس لها دور مباشر فيها، لأننا عندما نقول بدور أمريكي فهذا تقليل من دور الشعوب في إعادة رسم مستقبلها السياسي .
إن هذه التحولات وحتى اللحظة لا تعمل في السياق والاتجاه الذي تريده الولايات المتحدة، لذلك هي تمارس سياسة الانتظار والتدخل عن بعد حتى يكون لها دورها في المستقبل، وفي الوقت ذاته هي تظهر سياسة الجزرة والعصا، ولا يمكن للرئيس أوباما أن يتحدث عن استراتيجيات جديدة من دون أن يذكر المنطقة، والموقف من قضاياها، وتأثير هذه التحولات العربية في السياسة الأمريكية، فالمنطقة تشكل أهم المناطق الاستراتيجية والاقتصادية للولايات المتحدة، وفي قلب المنطقة تقع ldquo;إسرائيلrdquo;، وهما محددان يحددان السياسة الأمريكية في المنطقة، فهو من ناحية ودون التخلي عن التزام أمريكا بrdquo;إسرائيلrdquo;، يتحدث عن ضرورة قيام الدولة الفلسطينية، ويذكر حدود عام ،1967 لكن في سياق الفهم ldquo;الإسرائيليrdquo; للأمن، وهو ما يعني ضرورة الاتفاق على مفهوم الحدود، ومستقبل المستوطنات، وهو هنا يبتعد عن الرؤية الفلسطينية، ويقترب أكثر من الرؤية ldquo;الإسرائيليةrdquo;، وفي الوقت ذاته لا يستطيع أن يغضب الشعوب العربية، فيحاول أن يأخذ موقفاً قريباً منها، لإدراكه أن أنظمة الحكم السابقة لن تعود ثانية، وأن هناك تحولاً حتمياً في بنية أنظمة الحكم العربية وتوجهاتها، وهو ما قد يؤثر في مكونات السياسة الأمريكية في المنطقة بما فيها مستقبل ldquo;إسرائيلrdquo; .
وبقراءة جديدة لهذا الخطاب ومفرداته، فإن أوباما لم يأت بجديد في سياق المضمون، وفي سياق الأهداف والمبادئ التي ترتكز عليها السياسة الأمريكية، لكن الجديد في الشكل، وفي العبارات المستخدمة، من دون أن يحدد الآليات لاستراتيجية جديدة، فكما نعلم أن أي استراتيجية جديدة تحتاج إلى رؤية واضحة، وإلى آليات محددة ومؤثرة ونافذة، فمثلاً عند الحديث عن الدولة الفلسطينية، لم يشر أوباما كيف يمكن أن تقوم هذه الدولة . فإذا كان الرئيس أوباما نفسه لم يستطع أن يفرض على نتنياهو تجميد الاستيطان لمدة زمنية لا تزيد على ثلاثة شهور، فكيف يمكن أن يمارس تأثيره ويفرض هذه الدولة على ldquo;إسرائيلrdquo; في وقت الانتخابات الأمريكية، والحال كذلك بالنسبة إلى القدس واللاجئين .
وفي النهاية لا يخرج هذا الخطاب السياسي للرئيس الأمريكي عن المصلحة الأمريكية العليا في المنطقة المتمثلة في استمرار المحافظة على استراتيجية البقاء فيها، وبقاء ldquo;إسرائيلrdquo;، وضمان الفوز في الانتخابات الرئاسية، فالسياسة لا تتغير بالوعود، ولا بالشعارات، ولا بالمثاليات، ولكن بممارسة عناصر القوة المتاحة والممكنة، وهي كثيرة في يد الشعوب العربية .
التعليقات