سعود الريس

ضحك واستهبال تكفير وتحقير، عاطلون تحولوا الى ناشطون، متطرفون بدؤوا القفز على الشرع، وفئة وجدت في الرقص على قضايا المجتمع، متعة ما بعدها متعة. اصطفافات متعددة ومتشعبة.

في قضية منال الشريف الكل تحدث، والجميع أدلى بدلوه، ويكيبيديا سطّرت، والإعلام الغربي حاك رواياته، والعربي شمت كعادته، والمهرجون توجهوا الى يوتيوب، لا نعلم إلى متى ينبغي أن تعم هذه الفوضى الفكرية أطياف المجتمع، وهل يجب لهذا الاصطفاف أن يتواصل إلى مالا نهاية؟

قصة الشريف - وهي بالمناسبة قصة نصف هذا المجتمع - لم تكن تحتاج أن تتحول إلى أسطورة ولا إلى قصص نرويها لأحفادنا فيما بعد، ولا أن نختلق رموزاً وأبطالا من لا شيء. فالأمر في قضية قيادة المرأة، لم يعد يحتمل اجتهادات أكثر من ذلك، والظرف أيضا تغير فاليوم ننتظر تحدياً جديدا يتمثل في عودة اكثر من 120 ألف طالب يدرسون في الخارج هم على وشك الانتهاء من رسالتهم، وهؤلاء يحملون فكراً وأدوات تختلف جذريا عما لدينا هنا، لذلك فالخيار الأمثل الآن عدم ترك الأمر محل جدال، فإما نعم للقيادة أو لا، الأمر يحتاج للنظر في المصلحة العامة ولا يجب أن ينظر له على أنه تغليب لرأي فريق على آخر، طبعاً أتحدث في كلا الاتجاهين، ففي النهاية جميع أطياف هذا الوطن يخضعون لنظام وقانون واحد، وما يسري على الفرد يسري على المجموعة.

وعندما نقول عن تحديد الأمر إنه الخيار الأمثل، لأنه في قضية الشريف ظهر الارتباك بين الجهات المعنية في كيفية التعاطي مع هذه الحالة، في وقت لم نشهد فيه مثل هذا الارتباك عندما تورطت مجموعات نسائية في الإرهاب، كما تم تكفير منال ووصفها بأسوأ الأوصاف وتشويه سمعتها على رغم أنها واحدة من السعوديات النوابغ في مجال عملها، في وقت لم نسمع فيه مثل هذه الآراء المتشنجة عندما كانت زوجة صالح العوفي تضع اللحم المفروم في الثلاجة بجانب رأس الرهينة الأميركي جون بول مارشال، وذلك على رغم البون الشاسع بين الحالتين.

بالنسبة للإرهاب كان النظام هو السائد بغض النظر عن رغبات وأهواء أطياف المجتمع، فيما في قضية منال لم يكن النظام حاضراً ما خلق هذا الجدال البيزنطي بين تلك الأطياف.

لذلك مع غياب قرار حاسم يجيز أو يمنع قيادة المرأة علينا أن نتوقع المزيد من الانشقاق الفكري وإتاحة الفرصة لكل من هب ودب لاختلاق تبريرات واهية واستشهادات ركيكة تدعو إلى السخرية والألم من كلا الطرفيين سواء المؤيد والمعارض.

هذا هو كل ما نحتاجه في هذه المرحلة، وإذا كانت الإجابة بلا فنحن هنا مطالبين بتوفير بدائل نقل ومواصلات تتناسب مع حجم هذه البلاد ومساحتها، فما لدينا يعد واحدة من أسوأ شبكات المواصلات في بلد لا يمكنك أن تستغني فيه عن وسائط النقل، فلا حافلات لديها القدرة على تغطية الشوارع والاحياء، ولا يوجد لدينا مترو ليختصر المسافات، وأيضا حركة ليموزين مرتبكة تعمها الفوضى. أما إذا كانت نعم، فأعتقد أن الجزء الأهم من القضية سيكون قد تم تجاوزه.

وما بين الفترة الزمنية بين نعم ولا، يجب أن يتحمل أفراد هذا المجتمع مسؤولياتهم، فنحن في بلد تحكمه نظم وقوانين ليس أمام الجميع سوى الالتزام بها، فلا يجب إتاحة الفرصة للانتهازيين لأخذ مساحة من هذه القوانين والنظم، وتعميم فوضاهم أو آرائهم، لتحل محل تلك النظم، نقول ذلك مع قناعتنا التامة بضرورة النقاش وتبادل الاراء.