قيادة المرأة للسيارة تغيب وتظهر بين الحين والآخر مثيرة زوابع من الحروب الكلامية، تنتهي بإغلاق الموضوع (بالضبة والمفتاح) ولأنها فضية تخص متضررين ومتضررات لا تفتأ أن تعاود الظهور كحق معيشي لفئات من المواطنين يقف حيال رفضها فئة أخرى لا تريد لهذا الحق أن يمضي لغايته بحجج واهية وضعيفة تستند على تخيلات وأوهام سابقة لحدوث الحدث نفسه.
وقيادة المرأة للسيارة قضية مضحكة مبكية (فرجت علينا العالم وأضحكتهم أيضا)، ولا أحد يصدق ما يحدث لدينا من تعنت ومنع في السماح لمن تريد قيادة سيارتها بنفسها، وفي هذا السياق كنت خارج البلد، وفي جلسة جمعت بعض المثقفين من دول أخرى، اتخذوا من هذا الموضوع (جلسة نكات)، وبعد أن غرقوا في الضحكات، قال أحدهم: لماذا لا تمنعوا المرأة من السير على قدميها أيضا، فبالقياس هو (سير) سواء سارت بسيارتها أو على قدميها!!
هذه القضية برزت مرة أخرى على السطح من خلال الدعوة التي تبنت خروج بعض النساء لقيادة سياراتهن بحجتين داحضتين: أولاهما أن قيادة السيارة ليس حراما، وثانيتهما أن أنظمة المرور لا تجرم أو تخصص جنس السائق الشرط الوحيد وجود رخصة قيادة سارية المفعول، وحجة ثالثة منطفئة ولا يلتفت إليها أن الكثيرات من السعوديات (في الأرياف والقرى والهجر) يقدن سياراتهن من غير أي أذى يذكر .. كل هذا سمع به الجميع، وحين مارست الأستاذة منال الشريف قيادة سيارتها تم القبض عليها وحبسها، ولأنها لم ترتكب جرما كان الاتهام الذي ووجهت به صادما لنا جميعا (تأليب الرأي العام وتحريض النساء على قيادة السيارة) كيف؟!
فكلمة تأليب تعني تحريض على وضع قائم، بينما قيادة المرأة للسيارة ليس وضعا قائما، وإن افترضنا أن كلمة تأليب يراد بها استنهاض الناس لفعل شيء مخالف للشرع أو النظام فهذا لم يحدث كون قيادتها لسيارتها لا يحرمه الشرع ولم تنص عليه أنظمة المرور بالمنع صراحة .. إذن يكون الشق الأول من الاتهام ساقطا لكونه لم يخترق أمرا دينيا أو تنظيميا، أما الشق الآخر من الاتهام (تحريض النساء على قيادة السيارة) فهذا يستوجب وجود إحصائية لدى الجهة القابضة تؤكد أن نساء البلد رافضات لقيادة السيارة وحتى وإن وجدت هذه الإحصائية (ولو كانوا نساء البلد كلهن رافضات) فهو أمر لا يمنع من لها الحق في أمر أن تمتنع من ممارسته ..إذن التهمة ليس لها محل من الإعراب.