حسان حيدر


الرئيس اليمني الذي رفض توقيع المبادرة الخليجية، والمعارضة التي اعتبرت ان هذه المبادرة انتهت، يعرفان كلاهما ان دول مجلس التعاون الخليجي، ولا سيما السعودية، لن تتخلى عن مساعيها لوقف التدهور الامني والسياسي في البلد المحاذي لها، وربما لهذا تمادى الطرفان في وضع الشروط والشروط المضادة للقبول والتوقيع.

تقول أوساط الرئيس علي عبدالله صالح ان المبادرة وضعت استناداً الى مسعى قطري لإسقاط نظامه، وتتهم الدوحة بأنها تحاول الانتقام بسبب فشل مساعيها لتحويل قضية الحوثيين الى مسألة اقليمية يكون لإيران دور فيها. حتى ان الرئيس أدخل العامل الشخصي في الموضوع ولام الأمين العام لمجلس التعاون في تصريحات علنية على عدم مخاطبته كرئيس دولة. أما المعارضة في laquo;اللقاء المشتركraquo; فتعتبر ان المبادرة جاءت laquo;متسامحةraquo; كثيراً مع الرئيس ولم تنص على تنحيه الفوري بل منحته ضمانات بعدم المحاسبة.

وبين هذين الموقفين لا بد من القول ان ميزان القوى على الارض لا يزال حتى الآن يميل لمصلحة الحكم، بدليل ان علي عبدالله صالح يبقى ممسكاً بمعظم الجيش رغم انشقاق اللواء علي محسن الأحمر، ويسيطر عبر نجله على الحرس الجمهوري الكثيف التسليح، ولا يزال قادراً على حشد مئات الآلاف من أنصاره في صنعاء كل يوم جمعة، ويتمتع بدعم قبلي لا يستهان به. أما القتال مع مسلحي الشيخ صادق الأحمر فيعكس صراعاً داخل تكتل حاشد القبلي على من يمسك بزعامته بعدما تمكن الرئيس خلال فترة حكمه المديدة من نقلها الى يده عملياً عبر تهميشه القيادة التقليدية ومقاسمتها الولاءات بتوزيع المال والسلاح ومواقع النفوذ.

ويستفيد صالح حتى الآن من حقيقة ان لا شيء يجمع بين معارضيه سوى هدف إسقاطه، لأن المعارضة خليط من مواد لا تمتزج عادة: من يساريي laquo;الحزب الاشتراكيraquo; الى أصوليي laquo;تجمع الاصلاحraquo; وما بينهما من تشكيلات تختلف على كل شيء تقريباً. ومن اللافت ان التظاهرات المطالبة برحيل الرئيس تراجعت أخيراً في عدن ومناطقها.

وكان صالح استنتج ان المعارضة خائفة من الانتخابات التي قد تكشف نقاط ضعفها، عندما عرض اجراءها قبل نهاية العام وأكد انه لن يترشح ولن يورث الحكم الى أحد ابنائه.

وحتى لو نجحت المعارضة في إبعاد الرئيس وتولي السلطة فستنشأ بين اطرافها نزاعات أين منها ما يحصل الآن، وقد يعني ذلك قيام دولة غير مستقرة لفترة غير وجيزة. ولليمنيين تاريخ طويل في اثبات ان الولاء للقبيلة والمنطقة والزعيم أقوى من كل النظريات السياسية وأنظمة الحكم.

وأياً تكن صحة الذرائع التي سيقت وتساق لعدم تنفيذ بنود مبادرة مجلس التعاون، فإن الوضع اليمني يستحق كل جهد ممكن لمنع اتساع التدهور الامني وتحوله الى فوضى. والرياض التي تربطها علاقات جيدة بمختلف الاطراف اليمنيين في الحكم والمعارضة لا يمكنها، بحكم معطيات التاريخ والجغرافيا، البقاء متفرجة على شرارات الحرب الاهلية التي تنذر بحريق هائل قد يمتد لهيبه الى خارج الحدود مثلما حصل في الحرب مع الحوثيين. لذا لن تتردد على الأرجح، رغم حرصها الشديد على انجاح عمل مؤسسة مجلس التعاون ودعمها الكبير لجهود أمينه العام، في أن تبادر الى بذل مساعيها المباشرة لتفعيل المبادرة الخليجية وإيجاد حل سلمي تدريجي للأزمة.