خالد هنداوي

مما لم يعد فيه أدنى شك أن الانتفاضة المباركة التي اندلعت في سوريا بكل عفوية وبراءة اقتداء بمثيلتيها في تونس ومصر ثم في ليبيا واليمن قد انبثقت كانبثاق النور من جنح الظلام لترفض الواقع المر الأليم الذي طوقها باختناقات، الاحتقانات المستمرة التي كان وما يزال الأحرار في الشام يتعرضون لأذاها من عصابات حكمت وتحكم بالدم منذ أربعة عقود وتكذب على شعبها وتوهمه والعالم أنها نظام ممانع مقاوم وأن ما يجري عليه اليوم من احتجاجات إنما هو مؤامرة خارجية تنفذ على يد جماعات إرهابية أو سلفية أو مندسين مما أدرك العالم كله أن هذه الادعاءات أو هي من خيط العنكبوت وأن سنين التغيير سوف تطول الظالمين في كل زمان ومكان وأن غلبة الحق هي الحقيقة التي لا يمكن لأي دولة ظالمة أن تغطيها ولو نجحت في ذلك بعض الوقت فإن حبل الكذب قصير وإن الفطرة هي التي ستقول كلمتها في نهاية الصراع، إذ أنها تعني بكل بساطة ndash; كما قال العلماء ndash; غلبة الخير والحق على الشر والباطل، وإذا كان الأمر كذلك، فهل يمكننا أن ننسى دور هذه الفطرة التي دفعت سيد شهداء أطفال سوريا حمزة علي الخطيب أن يقف بقامته البريئة خطيبا بليغا يزجي الحكم والنصائح ويلهم الملايين أفكارا نفيسة هي من صلب الفطرة النقية التي جبلوا عليها حتى قالوا: كلنا حمزة وأنشأوا صفحة باسمه لن نسكت لأجل براءتك ودموع أمك وأبيك، إنه حمزة الذي قتله الأوغاد وتفننوا في تعذيبه والتمثيل بجثته حتى قاموا بقطع عضوه التناسلي وقد شوهد جسده عندما سلم لأهله يوم الأربعاء الماضي 25 مايو من قبل زبانية الأمن المجرم وقد ظهرت على جسده كدمات في الوجه والساق وكسر في العنق وأثر طلقة رصاص اخترقت ذراعه واستقرت في خاصرته اليسرى وطلقة أخرى في اليمنى خرجت من ظهره وطلقة ثالثة في صدره، وقد رأينا هذا بأعيننا على صورة الفيديو ليس من القنوات فقط، وإنما بشكل واضح يدمي القلوب ويهز المشاعر هزا، أتدرون لماذا؟ فقط لأن الطفل حمزة ذا الثالثة عشر ربيعا أراد أن يصبح شابا وينضم إلى فئة الرجال كما ربته أسرته، أراد أن يشارك في تظاهرة يوم الغضب في 29 أبريل الماضي، في بلدة الجيزة مسقط رأسه بالقرب من درعا الصامدة فخرج مع المشاركين لفك الحصار عن المدينة فاعتقله المجرمون مع خمسة وعشرين من المتظاهرين ما يزال مصيرهم مجهولا، إنه حمزة الذي أكمل مشوار إخوانه الأطفال البسطاء الذين كانوا بفطرتهم البريئة سبب تفجير هذه الثورة الكبرى اليوم في سوريا، حيث دفعتهم عدوى الفتيان الثائرين في الدول العربية إلى ترديد الهتاف الشعب يريد إسقاط النظام ثم كتبوه على الجدران فما كان مصيرهم إلا الاعتقال في سجون درعا وقد ثبت أنهم عذبوا بقسوة متناهية إلى درجة أن قلعت أظافر أيديهم بل وأرجلهم ولما أراد ذووهم مراجعة السلطات ذهبوا إلى محافظ درعا وقابلوه وكذلك المسؤول الأمني وكانوا وضعوا عقالاتهم على الطاولة أثناء اللقاء كي لا ينصرفوا إلا بعد أن تقضى حاجاتهم أو هم سيبقون كذلك حتى يفرج عن أبنائهم كما هي العادة والعرف هناك وأهل درعا معروفون بالشهامة والكرامة والنخوة وهذا ما اعترف به الرئيس بشار في خطبته أمام مجلس الشعب، فما كان من المسؤولين هؤلاء إلا أن رموا عقالات رؤوسهم في القمامة ثم وجهوا لهم أقذع الألفاظ ومنها: هؤلاء ليسوا أولادكم انسوهم وائتوا بغيرهم وإذا لم تستطيعوا نحن نفعل بنسائكم ونأتي بالأولاد منهم!! وهنا رجع القوم إلى بيوتهم حانقين وقد أقسموا على الرد فبدأت التظاهرات وأخذ الجامع العمري الحزين اليوم دوره ثم انتقلت الشرارة إلى جميع سوريا وتصاعدت وتيرة الاحتجاجات حتى بلغت في جمعة حماة الديار قبل ثلاثة أيام إلى 132 بلدة ومنطقة وبؤرة وعمت سوريا كلها يوم سبت الشهيد حمزة المظاهرات المنددة بنظام القمع والوحشية الذي لا يستغرب منه هذه الجرائم ضد الإنسانية قديما وحديثا فقد نشأ على ذلك وإنما استمر بهذه الدموية ولولاها لما بقي سنة واحدة ويعرف ذلك الأحرار لا المنافقون.. إنه حمزة الشهيد الحي الذي نتذكر مع قصته سيد الشهداء حمزة أسد الله وأسد رسوله الذي كان قتله وحشي بن حرب قبل أن يسلم وقتل حمزتنا هؤلاء المتوحشون الجدد، ولئن قاتل حمزة بسيفين في غزوة بدر وفعل بالمشركين الأفاعيل فقد قاتل حمزتنا الفتى اليوم بلسانه وهتافه ضمن الجهاد المدني السلمي مع رفاقه متبعا توجيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الجهاد باللسان مقرون مع جهاد النفس والمال ولكنه قوبل بالنار والتعذيب والتمثيل، كما كانت هند بنت عتبة قبل إسلامها قد شقت بطن حمزة ولاكت كبده وكما قطع المشركون أنف حمزة وأذنيه ومثلوا به حتى قال الرسول: ما وقفت موقفا قط أغيظ من هذا لأن حمزة كان أعز فتى في قريش وأشدها شكيمة أفلا نحزن على حمزة الخطيب الذي هو سيد شهداء أطفالنا اليوم والذين يبدو أن السلطة الآثمة والشبيحة الوحوش مستمرون في مسلسل قتل الأطفال، وقد عرفت الآن من الإعلام وقنواته كيف أن هجمات هؤلاء الهمج على مدينة تلبيسة التابعة لحمص قد أسفرت عن مقتل الطفلة هاجر تيسير الخطيب، وهي أيضا من آل الخطيب طفل وطفلة خطيب وخطيبة سيرتعان في الجنة ليروا جناتهم وقاتليهم في النار، وكذلك سقطت الطفلة نادية صفوع وعبده بعجة والملازم الحر بسام كلاس شهداء إذ كان هذا الأخير يريد إنقاذهم لقطع الشارع وهم ينزلون من الحافلة لدى ذهابهم إلى المدرسة، إنه عصر الشهداء رحمهم الله إضافة إلى العديد الذين جرحوا في هذا الهجوم الدنيء ثم يقولون لك إن الرئيس منع إطلاق الرصاص! ليت هذا الرئيس عرف أن العرب قالوا في أمثلتهم: إن أشر الناس من يحسن القول ولا يحسن الفعل وهذا ما أدركه الرئيس الروسي ميديديف في اجتماع الدول الثماني فقال: نريد من الرئيس بشار أفعالا لا أقوالا فحتى حلفاؤهم عرفوهم كما هو الشأن في القذافي، إن بشار لم يقرأ سياسة عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي بين صفات الحاكم الناجح بأنه الذي يكون ليّنا في غير ضعف قويا في غير عنف!
تلك الذكرى الغضة لحمزة الخطيب الذي يبدو أنه تربى على تحمل المسؤولية وزرع الثقة بنفسه فقام ببعض واجبات هم المسلمين ضد الظالمين ونصرة لإخوانه الأطفال والمستضعفين مع خمسة وعشرين طفلا قتلوا في الأحداث من بين أكثر من ألف وثلاثمائة شهيد وشهيدة فضلا عن الجرحى والمفقودين والمعتقلين، فأين دعاة حقوق الأطفال، والدول الكبرى ومنظمات حقوق الإنسان؟ وأين مجلس الخوف لا الأمن؟ وأين الجامعة العربية بموقفها الجبان ومنظمة المؤتمر الإسلامي الشكلية للأسف الشديد؟ حيث سياستها مع النظام المجرم، أين هي من قول الله تعالى في الدفاع عن حق الأطفال ونصرتهم وتخليصهم من الظالمين (وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها..) quot;النساء: 75quot;.
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: quot;من رفع علينا السلاح فليس منا، وإن الذين يعذبون الناس في الدنيا يعذبهم الله في الآخرةquot;، ما أقسى قلوبكم فأنتم أشد حتى من المستعمر الفرنسي الذي احتل سوريا ولم يعذب الأطفال فقال شوقي:
وللمستعمرين وإن ألانوا
قلوب كالحجارة لا ترق
وأما حمزة فيقول لكم:
بلاد مات فتيتها لتحيا
وزالوا دون قومهم ليبقوا
إن لذة الانتقام لا تدوم سوى لحظة كما في المثل الإسباني وإن حمزة لن يكون بازارا في سوق المزايدات لأن الأمن لا يتحمل قتله، كما أن أحد أبواق النظام يقول: ولكنه سيبقى وقودا للثورة والتغيير يبث روح العزة كما بثها السلف من قبله، سلاما يا حمزة يا رائد بطولات الأطفال ويا صديق خالد سعيد في مصر ستحيون فينا كما في قلب حطان بن المعلى:
وإنما أولادنا بيننا
أكبادنا تمشي على الأرض