سمير عطا الله

سوف أقول لكم: إن المشهد برمته أصبح محزنا. أقصد حتى صورة العقيد في وسطه، بالنظارات السوداء مثل شرفات مصراتة، وإلى جانبه شاشة تلفزيون laquo;بلازماraquo; على مدى الحائط، للتأكيد أنه يحضر نشرة أخبار ذلك النهار. كل شيء محزن. رجال الطوارق الذين يعانقونه في بهو خال من المصفقين، ومن حنو أهل اللجان، يبدون وكأنهم يقدمون التعازي. لا كلام ولا هتاف ولا تنديد بالجرذان، كما يفعل رئيس تحرير laquo;ليبياraquo;. ولست أسخر عندما أقول إن المشهد محزن. واللهم قنا وضاعة الشماتة وسوء الخطاب وتوحش القلوب. أقصد أن رسم المشهد كان في يده، لو أنه مشى منذ ثلاثين عاما، وترك ليبيا تعيش، مثل البلدان والشعوب والأمم كلها. لا عظمات ولا تماثيل للكتاب الأخضر ولا إعلان الجهاد على سويسرا؛ لأن نجله الشهير عامل الخدم كما يعامل جميع الناس في جميع الأمكنة.

كم كان أفضل لليبيا لو أن الأشياء ظلت طبيعية. حكومة تمكن محاسبتها أو الاعتماد عليها، بدل laquo;أمانةraquo; فارغة، لها أسامٍ غريبة وأداء مضحك أو مقيت. شرطة تحافظ على الأمن، لا على الرعب والنفي والمطاردة. قناة تلفزيونية تبث 22 ساعة للفاتح وساعتين فقط للناس والأطفال وحكاية الشاطر حسن. أراد أن يختصر كل شيء في ذاته، التاريخ، والعرب، وأفريقيا ومشهد التسلية الخالية من خفة الظل في المؤتمرات.

مع ذلك، المشهد مؤلم، وفي كل أنحاء الصورة. من الزنتان إلى طرابلس ومن طبرق إلى فزان. رجل يجرد الجرذان من الحق في الحياة، ويجرده شعبه من ألقابه كلها، سواء التي رشها على نفسه أو التي حملها الأفارقة من غابات الرشوة، laquo;رائد الوحدة الأفريقيةraquo; خاطبه رئيس السنغال عبد الله واد بالقول: laquo;كلما عجلت بالرحيل كان أفضلraquo;. يمثل عبد الله واد الدولة الأفريقية الجدية. ويمثل المشروع الأفريقي الوطني القابل للحياة. ويمثل تجربة نادرة في أفريقيا السوداء؛ حيث كثر السطو على مستقبل البشر وتكاثر التهريج الملون باسمهم.

بدأ تجريده من ألقابه ومن صدر الأوسمة المدكوكة دكا، بدأ بذلك الشعب المثقل بأربعين عاما من مهزلة الأوسمة، ثم الجامعة العربية التي اتخذت أول قرار من نوعه في تاريخها، بحق laquo;أمين القوميةraquo; ورائد الوحدات البراقة، ثم مجلس الأمن، وقبل النهاية وصل المندوب الروسي، متأخرا كالعادة، بسبب نوعية المواصلات. وأخيرا جاء زعيم من دولة أفريقية حقيقية، وقال لملك الملوك: أسرع.. لم يعد المشهد يحتمل.. أفضل للعالم أجمع.