ظافر محمد العجمي
laquo;قحطةraquo; شخصية محورية في المسلسل الكويتي laquo;درب الزلقraquo; إنتاج 1977م، ولجهله صارت تصرفاته عائقا أمام طموحات أبناء أخته خلال موجة توزيع الثروة عبر تثمين المنازل في منتصف القرن الماضي بعد اكتشاف النفط، حين تحول المجتمع من الفقر المدقع إلى الغنى الفاحش. ولأن الرمز أرقى معاني الإدراك للواقع فقد تحولت تلك الشخصية إلى رمز في الثقافة الخليجية. وعلى شاكلتها كرمز لمعنى مغاير ظهر المسلسل التركي laquo;نورraquo; في 2008م وكانت الشخصية المحورية laquo;محمدraquo; أو laquo;مهندraquo; كما في النسخة العربية فتكشف فجأة على غير ترتيب عمق الفراغ العاطفي الذي تعيشه مجتمعاتنا نتيجة الكرم العاطفي من laquo;مهندraquo;، الذي تعدى حدوده على مضيق البسفور ليصل إلى خِدر الغادة الحسناء هنا.
لقد وصل الطموح السياسي التركي في عالمنا العربي إلى خدر الحسناء العربية في صورة تتجاوز المسموح به حتى في أحلك فترات الاتكالية في العلاقات الدولية. لقد أصبحت لها مصالح في عالمنا العربي بدرجة أباحت لرجب طيب أردوغان القول laquo;إن ما يجري في سوريا مسألة داخلية تركيةraquo;. بل إن صحيفة الإيكونوميست اقترحت قبل سقوط مبارك النموذج التركي كأفضل الحلول لتجاوز أزمة النظام المصري. صحيح أن الصعود التركي على المسرح العربي يجري نتيجة فراغ قوة قيادي جراء تشظي المحور الخليجي المصري السوري بعوامل إيرانية، لكن دور تركيا كرادع للطموح الإيراني لا يعتبر مسوغاً لتدخلها. ففي عرف العلاقات الدولية لن تكون هذه laquo;الفزعةraquo; التركية مجانية، بل إن بوادر اعتبار بلاد الشام والعراق كمناطق اهتمام ثم نفوذ قد أخذت طريقها مؤخراً لخطابات المسؤولين الأتراك.
لقد جاء الربيع العربي بفرصة لعب من خلالها الخليجيون دوراً يناسب القوة المتاحة لهم، وأدت لمبادرات خليجية ناجحة، لكن ردة فعل بعض كتل الربيع العربي كانت محبطة لآمالنا. فالارتياح للدور التركي في سوريا مثلا لا يقارن بالتشهير والرفض للدور الخليجي، ومثله الموقف المصري بدرجة ما، واليمني بدرجة أشد، رغم أن ما صنع الحداد ما زال قائما بين أنقرة ودمشق، بدءاً من الإسكندرونة مرورا بالأكراد وحتى مشاكل المياه. لقد نظر بعض العرب للدور الخليجي وكأنه تهديد، ومؤامرة غربية نحن أصابع تنفيذها، وفي ذلك شطط عن حقائق دامغة، فتركيا هي حليفة إسرائيل رغم التحصيل الاستراتيجي المتواضع لسفينة الحرية، حيث ما زال أهلنا في غزة يكابدون الأمرين بين إدعاءات تركية وتردد مصري على المعابر. كما أن أنقرة هي عضو الناتو وليس نحن؛ فكيف أصبح حرص أنقرة أكبر من الحرص الخليجي؟! وأين الخطوط الحمراء التي شاهدتها أنقرة وتراجعت عنها، ويتهمنا الإخوة العرب بتجاوزها، فنحن في الخليج لا نسابق تركيا في جني الثمار، فالتعامل بفعل الطموح ليس كالتعامل بفعل الواجب. وإذا كنا نعاني من التحديات بينما تستمتع أنقرة بالفرص فبالإمكان تجاوز هذا الخلل لو أردنا عبر تكييف السياسة الخليجية للتعاطي مع الفرص بحجم الهلع من التحديات. وتكمن قوتنا لكسب الفرص عبر أروقة الجامعة العربية التي كان لوزنها دور في استصدار قرارات أممية غيّرت وجه بلدان عربية عدة بمحركات خليجية كما في ليبيا.
إن ما يثير القلق هو أن تركيا تختبر العرب بدهاء في علاقاتها الإقليمية الراهنة، تمهيدا لخطوة قادمة لن تكون غير الهيمنة، ونتيجة خلل ما أصبح laquo;درب الزلقraquo; كالربيع العربي بتحولاته الكبرى، ففقد البعض وضوح الرؤية، وترسخ لدى البعض الآخر أن الخليجيين هم laquo;قحطةraquo; الرمز المتواضع الذي كان يصنع ويصلح ويبيع الأحذية، غير قادر على تغيير مسار الأمور في محيطه الأسري إلا بالسلبية، أو التدخل في شؤون الآخرين بالشماتة والاستهزاء ما دفع أبناء أخته لممارسة عقوق تحقيره بل وضربه، في حين ظهر الأتراك وهم الوسيم laquo;مهندraquo; بوضوحه وصدقه وتضحيته.
التعليقات