ياسر الزعاترة
تحتفي دوائر النظام السوري وجحافل مخبريه بأغنية جديدة سجلها المغني laquo;جورج وسوفraquo; لصالح النظام وفيها هتاف للرئيس وتمجيد له، في ذات الوقت الذي يعلن فيها المغني العظيم أنه وكل الشعب السوري من جنود الرئيس القائد!!
هي مهزلة من العيار الثقيل، لأن المغني المذكور لا يحظى بأدنى احترام، لا في الوسط الشعبي ولا في الوسط الفني، بصرف النظر عما إذا كان البعض يستمع لأغانيه أم لا، والسبب بالطبع هو مسلسل الشائعات التي تلاحقه وأفضت ذات مرة إلى اعتقاله في دولة أوروبية بسبب تعاطيه المخدرات، قبل أن يفرج عنه إثر تدخلات واسعة النطاق (شاهدناه في الجزيرة وهو يركع أمام رامي مخلوف، الملياردير ابن خال الرئيس)!!
حين يصل الحال بنظام بشار الأسد حد الاستنجاد بأمثال جورج وسوف، فهذا يعكس مستوى الأزمة التي وصل إليها في مواجهة الانتفاضة الشعبية العارمة التي تجتاح المدن السورية، وله تبعا لذلك أن يرى في المقابل حجم الإقبال في موقع laquo;يوتيوبraquo; والمنتديات المشابهة على أغاني الثورة السورية؛ الوطنية منها من أمثال أغنية المندسين وأغاني سميح شقير، وأهزوجة إبراهيم قاشوش (يلا إرحل يا بشار)، فضلا عن الأناشيد الإسلامية لأمثال laquo;أبو راتبraquo; ويحيى حوا وغيرهم، ما يؤكد حجم الغضب الذي يجتاح الشارع السوري في الداخل والخارج.
في شارع يتسع نطاق التدين فيه، يغدو تأييد أمثال جورج وسوف لبشار الأسد سببا كافيا للنقمة عليه أكثر من تأييده والاحتفاء به، ولا تسأل بعد ذلك عن سقوط المغني نفسه وكل من يتورط في تأييد نظام قمعي لا يختلف اثنان على أنه كذلك.
ثمة حراك في الوسط الفني والثقافي السوري تسببت فيه الانتفاضة الشعبية، تماما كما حصل في الحالة المصرية يوم سقطت الغالبية من الفنانين في وحل تأييد النظام، ووصل الحال ببعضهم حد الكذب والتهريج في سياق هجاء ثوار ميدان التحرير وسائر ميادين التحرير في مصر المحروسة.
من أبرز الذي سقطوا في الحالة السورية الفنان دريد لحام (نظيره المصري هو عادل إمام)، ولو كان مؤلف المسرحيات السياسية التي صنعت له الشهرة (أعني محمد الماغوط) حيا، لما كان منه غير الوقوف في صف الشعب، مع أن كثيرا من المثقفين ما يلبثون أن ينقلبوا على تنظيراتهم عندما تحين ساعة الجد في مواجهة القمع والدكتاتورية، فيما يرتد بعضهم لمنطق الطائفية والمذهبية على حساب منطق الحرية والتعددية.
ليس لدينا أي وهمٍ حول تأثر الانتفاضة السورية بغناء جورج وسوف لصالح بشار الأسد، ومن يعتقد ذلك يسيء للشعب السوري، ولو صح أنه في وارد التأثر لتأثر بعلماء كبار من أمثال الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي الذي سقط سقوطا مريعا في موقفه لصالح النظام، وفي دفاعه المستميت عنه (قام البعض بحرق كتبه احتجاجا، مع أننا ضد خطوة من هذا النوع).
لا تمنح الشعوب شيكا على بياض لأي أحد مهما كان، فهي تمنح الرموز والحركات من الرضا والشعبية بحسب ما يقدموه لصالح قضاياها، وأهم العلماء في وعي الأمة هم الذين انحازوا لصالح الجماهير في مواجهة الظلم واحتكار السلطة والمال، وأحيانا حق النطق باسم الدين أيضا؛ من أبي حنيفة إلى أحمد بن حنبل والعز بن عبد السلام وابن تيمية وقبلهم سعيد بن جبير وسواهم كثير.
لا ننسى أن هناك من الفنانين السوريين من وقفوا ضد النظام وانحازوا للانتفاضة الشعبية، وبعضهم يُحاكم الآن بسبب ذلك، وهؤلاء يستحقون التحية، لكن الآخرين هم الذين سيحظون بلعنة الجماهير، بصرف النظر عما إذا كان أحد سيتابعهم لاحقا أم لا، لأن الموقف من الأعمال الدرامية يتعلق بقيمتها الفنية والإنسانية ولا يرتبط فقط بقدرات أبطالها، بدليل أن مستوى متابعة الناس لمسلسل باب الحارة لم يتأثر بتغير النجوم.
في أي حال، يمكن القول إن الشعب السوري ماض في ثورته دون توقف، ولن تهتز فيه شعرة بسبب أمثال جورج وسوف أو سواه من الروبيضات الذين يهتفون للظلم والدكتاتورية، وسيبقى اسم إبراهيم قاشوش أكبر منهم جميعا، بل سيبقى شاهدا على سخفهم، فيما سيكون موته المعلن لعنة عليهم، وعلى النظام الذي قتله بتلك الطريقة البشعة.
التعليقات