غسان العزي
بعد موت عشرات الآلاف في الصومال ضحايا موجة من العطش والجفاف هي الأسوأ منذ ستين عاماً، بحسب ما أعلنته منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، دعت الأمم المتحدة إلى اجتماع عاجل في روما في25 يوليو/ تموز الفائت وطالب بان-كيمون بتوفير مبلغ 6،1 مليار دولار للصومال ldquo;حيث الأطفال والبالغون يموتون في كل يوم . . . والتأخير يتسبب بالمزيد من الوفياتrdquo; كما أعلن . وقد قرر البنك الدولي تقديم خمسمئة مليون دولار تضاف إلى 12 مليوناً كانت قد أقرت لمواجهة الجوع والجفاف اللذين يهددان حياة اثني عشر مليون إنسان في القرن الإفريقي .
والمعروف أنه بسبب التغيرات المناخية سيكون هناك المزيد من الجفاف، كما أنه ينبغي زيادة الإنتاج الزراعي العالمي بنسبة سبعين في المئة من الآن وحتى عام 2050 لمواجهة تزايد الحاجة البشرية إلى الغذاء، مع ضرورة الانتباه إلى عدم استنفاد الأراضي الصالحة للزراعة .
وكانت الرئاسة الفرنسية لجماعة العشرين G20 قد بادرت إلى دعوة وزراء الزراعة إلى اجتماع طارئ في باريس، في 23 يوليو/ تموز الماضي، حيث اتفقوا على ldquo;برنامج عملrdquo; لقي انتقاداً من المختصين المستقلين الذين عبروا عن استيائهم من عدم اتخاذ أي إجراء لمنع استخدام بعض الزراعات، كالذرة على سبيل المثال، في توليد الطاقة بديلاً عن إطعام البشر كما سبق وطالبت مؤسسات دولية كالبنك الدولي والفاو ومنظمة التعاون والتنمية الأوروبية . كما أن جماعة العشرين لم تقرر وضع مخزونات جاهزة من الأغذية لنقلها فوراً عند الحاجة إلى المناطق التي يضربها الجوع .
والجدير بالذكر أن وزير الزراعة الفرنسي ldquo;برونو لو ميرrdquo; ألقى خطاباً بوصفه رئيساً لهذه القمة قال فيه إنه من المعيب لنا معشر البشر أن يكون هناك إنسان واحد يتضور جوعاً في القرن الحادي والعشرين، ودعا الدول لاسيما الغنية منها إلى تحمل مسؤولياتها لأن الجوع إذا كان يضرب القرن الإفريقي اليوم، فإنه قد يضرب مناطق أخرى في الغد . لكن المفارقة أن ما قدمه الفرنسيون في هذه المرة لمواجهة الجوع في القرن الإفريقي (13 مليون يورو) يقل بكثير عما سبق وقدموه لضحايا تسونامي ديسمبر/ كانون الأول 2004 الذي ضرب الشواطئ الآسيوية (95 مليون يورو) أو زلزال هايتي في يناير/ كانون الثاني 2010 (64 مليون يورو) .
والمعروف أن شح الأمطار يسبب الجفاف الذي أصاب عشرة ملايين إنسان وأدى إلى نفق معظم قطعان الماشية، ومن الآن إلى موسم الشتاء المقبل قد تطيح الكارثة المزيد . وقد ازداد عدد الناس المحتاجين إلى المساعدة والإغاثة بنسبة أربعين في المئة منذ بداية هذا العام (من 3،6 مليون إلى 10 ملايين في هذه المنطقة)، ومعظم الهاربين من الكارثة أضحوا في كينيا وإثيوبيا حيث اقترب عدد اللاجئين من المليون .
بالطبع، إن المسؤول عن هذا الوضع هو الجفاف، لكن أيضاً السياسات الخاطئة التي راكمتها دول الشمال والتي على قمة العشرين التي ستنعقد في مدينة كان الفرنسية في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل أن تتخذ إجراءات جذرية للبدء في مواجهة هذه الفضيحة الإنسانية المخجلة .
وبالمناسبة، تثير هذه الأزمة العديد من التساؤلات: فإذا كانت الحرب مستمرة في الصومال منذ أكثر من عشرين عاماً أليس لأن للقوى المتنافسة هناك مصلحة في أن تدوم؟ هذه الحرب يغذيها الخارج ولا ينجو من جحيمها إلا أولئك الذين يتمكنون من الفرار إلى مخيمات اللاجئين في كينيا وإثيوبيا واليمن حيث المنظمات الإنسانية تقدم المساعدات بقدر استطاعتها لمن مايزال فيهم رمق من الحياة ساعدهم على الفرار . لكن برنامج الغذاء العالمي لم يعد قادراً على الوصول إلى جنوبي الصومال منذ ثمانية عشر شهراً أي منذ أن أغلقت ldquo;حركة الشبابrdquo; المنطقة لكي تتمكن من السيطرة على تنظيم النقل وتخزين الإعاشات وإعادة توزيعها كما تشاء . هكذا تفعل الميليشيات عادة عندما تسيطر على المنطقة، وrdquo;حركة الشبابrdquo; مثل غيرها من هذه الناحية .
أسئلة عديدة تطرح نفسها مثل: ما الفائدة من بقاء قوة حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقي في الصومال التي باتت متقوقعة في مقديشو بين المطار والمجمع الرئاسي؟ وما الفائدة من المعدات الأمريكية المنتشرة على الحدود بين كينيا والصومال وطائرات الاستطلاع التي تحلّق فوق جنوب الصومال بشكل دائم وتطلق قذائفها بين الحين والآخر؟ ولماذا؟ ومن يوفر تدفق السلاح المستمر للميليشيات المتصارعة في الصومال؟ ولماذا؟ يتم نشر الشائعات عن العلاقة الوثيقة بين ldquo;حركة الشبابrdquo; وتنظيم القاعدة؟ . . إلخ .
ثمة مصلحة على ما يبدو في تغذية أسباب وجيهة للتدخل العسكري الخارجي في القرن الإفريقي عندما يحين أوانه، وفي الانتظار فإن المتنفذين وبائعي السلاح والمستفيدين من الجهل والأمراض والمجازر والفساد والمال الوسخ يجدون أن لا ضير من استمرار الصراع الصومالي ولو كلفهم بعض الصدقات بين الفينة والفينة بدعوى مواجهة الجوع .
التعليقات